التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَصْرِ
١
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ
٢
إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ
٣
-العصر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا طالب الأوقات المشرقة والساعات المثمرة، إن أشرف ساعة من الساعات هي ساعة فرضت فيها طاعة من الطاعات، وأشرف تلك الساعات الساعة التي صدرت محلاً لقسم الله تعالى؛ وهي العصر كما يقول الله تعالى: { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 1-2] إن رءوس مال الإنسان عمره، وكل لحظة تمضي عليه [تذهب] برءوس ماله مطلقاً.
{ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 2]؛ أي: ربحوا في سوق الدنيا باستعداد عمره وحصلوا نعيم الدار الآخرة الباقية، وفائدة خصوصية ساعة العصر ذكرها في ضيعة من "بدائع الصنائع" و"الشرح والبسط" فاطلبه منها.
وأما الحكمة التي بها قال تعالى بعد القسم: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 2] اسمع بسمع حديد وقلب شهيد أن الله تعالى خلق الإنسان
{ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4] بإدراجه جميع المفردات العلوية والسفلية فيه، فلذلك جمع الله تعالى لأمة محمد خواص جميع الساعات في الصلاة الوسطى؛ وهي صلاة العصر، إذا أدى الإنسان حق الطاعة في تلك الساعة صيرت الفوائد المدرجة في جميع الساعات لها، وأشار إلى هذه المعنى حبيب الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فرض على أمة موسى عليه السلام أن يعملوا يوماً ليأخذوا أجورهم، فعملوا من الصبح إلى الظهر وملوا وتركوا العمل والأجر، فعين الله تعالى لأمة عيسى عليه السلام من الظهر إلى العصر، وعملوا وتركوا العمل والأجر، ثم فرض الله تعالى على أمتي بقية اليوم أن يعملوا ويأخذوا أجر اليوم كله فقبلوا وعملوا، وأخذوا الأجر الكثير بالعمل القليل" .
فيقول الله تعالى: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 2]، ملَّ وترك العمل وحرم نفسه على الأجر الكثير الباقي باشتغاله عدد بملازمته في أيام معدودة فانية، وهذا الحديث رويته بالمعنى، لأن لفظه ما كان بخاطري في الحال.
ثم يقول الله تعالى مستثنياً: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [العصر: 3] بالنبي وهو لطيفتك الخفية، وبما أوحى الله إليها على لسان سرها، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [العصر: 3]؛ أي: الأعمال التي أمروا بها في الساعة المخصوصة، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ } [العصر: 3] في طلب الحق وترك الباطل، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [العصر: 3] على ترك الهوى ومشتهيات الأنفس في الأزمان الفانية في دار الدنيا ليدخر لها السعادات الباقية في دار البقاء.
فينبغي أن يعرف أن عصر عالم الأنفس في الأيام الروحانية قائم مقام ليلة القدر في الليالي الجسمانية، والعصر يتعلق بضوء نور الجلال الذي أودعه الله في النهار، ولولاه ما اشتغل الناس في النهار بالكسب، والقدر يتعلق بضوء نور الجمال الذي أودعه في الليل، ولولاه ما اشتغل أحد باستراحة في الليل، وفيه حكمة التدبير مما يتعلق بحد القرآن، ولست مأذنوناً بإفشائه.
فاجتهد أن تكون من الموجهين إلى قبلة الأحدية في جميع الأوقات في الأيام الروحانية خاصة إذا غربت شمس الروح إلى مغرب الروحانية؛ لأنك لا تدري بعد غروبها أتطلع من مشرقها أو من مغربها؟ فإذا طلعت من مغربها لا ينفعك طاعة إن غفلت عن التوجه في تلك الساعة، فالسالك يفطن للإشارة التي أشرت إليها ولا ينتفع بتقرير هذه القدسيات إلا السالك، وشرحت ساعة القدر في سورة القدر.
اللهم ارفع قدرنا، واشرح صدرنا، وآمن من المحاق بدرنا.