التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ
١
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
٢
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ
٣
تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ
٤
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
٥
-الفيل

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

أيها السائل الميئوس من رحمة الملك الجليل، القانط من نصرة الولي الخليل عند ظهور القوى القالبية والنفسية بمدد سلطان الطبيعية، وضربها خيامهم خارج التفصيل، { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1]، فلا يقنط من نصرة الحق إياك، ولا تخف من قتل أصحابك، وكثرة أحزانهم، وقل ما قال الشاعر:

تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها: إن الكرام قليل

والله يقول في كتابه: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [سبأ: 13]، وقال: قليل في الأولين وقليل في الآخرين، وانتظر حزب الرحمن من جانب سماء صدرك ونزوله لأجل { كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ }[الفيل: 2]، كما قال تعالى: { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } [الفيل: 2] بإرسال حزبه من جانب سماء الصدر، وهم طير أبابيل كما قال تعالى: { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } [الفيل: 3-4] بحجارة حاصلة من النفي الذي هو مودع في حرف (لا)؛ لأن الله تعالى يكيدهم بما كادوا، فجعل ما كادوا من خاصة طين قالبهم وحجارة معدن طبيعتهمه؛ ليخربوا كعبة القلب، فأمر الله تعالى طير الذكر ليجعل { كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } [الفيل: 2] برد كيدهم ونفي مكرهم في صورة السجيل؛ وهو الطير والحجارة.
يقول بعض المفسرين فارسية مستعربة؛ يعني: سنك وكل ليمطر على رءوسهم ويهلكهم بكيدهم، كما قال: { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } [الفيل: 2]، وفي آية أخرى قال:
{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً } [الطارق: 15-16]، فكيده معهم أن يدفع لهم بكيدهم ويسلط عليهم كيد الذي كادوا؛ ولأجل هذه السالك الخبير إذا شاهد ترادف الخواطر النفسانية والطبيعية وغلبتها يسر في الباطن بعرفانه نصرة الحق إياه، ورد كيد الكفار النفس الأمارة إلى نحورهم، ويزداد شوقه إلى الذكر القوي الخفي، ويبالغ في النفي على سبيل الحضور لرجاء النصرة من الملك الغفور، والطير طير الذكر الصدري ترمي القوى الطبيعة المستمدة من قوى القالب، والنفس عند حلولها حول حرم الصدر عازماً على خراب كعبة القلب بسجيل الخواطر الرذيلة الترابية الهووية المنجمة تحت الأثير.
{ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل: 5]، فجعل طير الذكر الصدري مُستهبها من قوة ونيّة جازمة وعزيمة صادقة، تلك القوى { كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل: 5]، مثل التين المتفرق الذي تضربه الرياح يميناً وشمالاً، ففي هذه الحالة أيها السالك المبتلي لا تيأس
{ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [يوسف: 87]، ولذ بأذيال الذكر القوي الخفي الصدري وبالغ في التقى على شرط التعظيم راجياً نصرة الحق لتدفع أصحاب الفيل، والفيل صورة الطبيعة وأصحابه قواها، ولا يمكن دفع القوى الطبيعية المسلطة على الإنسان إلا بنصرة الله الملك المنان الحنان، وبالذكر الذي هو ضرب الرحمن إياه، وما دام الإنسان حياً فهذه القوى أيضاً حية موجودة معه، فلا تعتمد عليها بإذعانها لك وتقبلك لها، فإنها كلما وجدت شربها وأخذت منها حظها صارت حية مثل الأفعى فاحذرها حتى تخرج من عالمها وعالم الدنيا؛ ولهذا السر أمر الله تعالى حبيبه المصطفى في كلامه بقوله تعالى: { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99] واليقين هاهنا الموت الكبير بالاتفاق.
اللهم خلصنا من الطبيعة، وارزقنا المتابعة للسنة المصطفوية في الشريعة.