التفاسير

< >
عرض

لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ
١
إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ
٢
فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ
٣
ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ
٤
-قريش

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا متفرق الخاطر من غلبة الخواطر الذميمة الطيبيعة المستمدة من القوى القالبية والنفسية، لا تحزن إن الله معك، فكما ينصرك على أصحاب الفيل سيجمع لك خاطرك ويؤلفك بإلفك وهو خاطر قلبك، { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } [قريش: 1] وهو خاطر جزم صدر { إِيلاَفِهِمْ } [القريش: 2] فهم بعد تفرقهم في براري النفس وبوادي القلب.
{ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } [قريش: 2]، وهي حالة القبض والبسط، { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } [القريش: 3]، وهو الحق الذي كان في ذكر الله يسمونه أهل الطريقة سلطان الذكر؛ لأنه يربي القلب في هذا الطور وأطعم القوى القالبية من جوع يحصل لها في الرياضة والمجاهدة بترك مشتهياتها وصرفها عن الاشتغال بملاذها العاجلة وحظوظها الشهوانية طعام الغيب، وآمن القوى النفسانية الجائعة من الأسر والقتل والعزل بملاطفات لاطفها سلطان الذكر، وإبقاء كل قوى من قواها في مملكة الوجود فأعمالها المشتغلة بها بالحق للحق عارياً عن الباطل، خالياً من الحظ العاجل، طالباً حظ الآجل، فالواجب على العامل في هذا المنزل ألا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يستريح إلا لبقاء قوة خفية بها يمكن الاشتغال بطاعة الله تعالى لأجل الثواب المدخر في العقبى.
فأما السادة من أصحاب الهمم العالية تركوا كما تركوا أصحاب اليمين الدنيا لأجل العقبى، أما سمعت ما قال سيد الطريقة: الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا، وهما حرامان على أهل الله، وهذه الإشارة مستنبطة من كلام الله تعالى حيث يقول:
{ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [آل عمران: 152]، وفي آية أخرى: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف: 28]، فقد أثبت للمريدين ثلاث إيرادات: إرادة الدنيا، وإرادة الآخرة، وإرادة الوجه الأعلى، فكن عالي الهمة أيها السالك لتصل إلى مالك المماليك.
اللهم اجعلنا مريديدن لوجهك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.