التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ
١
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ
٢
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ
٣
-الكوثر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا طالب كوثر المعرفة، اعلم أنك ما دمت في تيه القالب وبيداء النفس متردداً متحيراً لا تصل إلى الكوثر المعرفة؛ لأنه في روضة القلب ورياض الجنة محفور، فإذا طففت في السلوك، وجاوزت تيه القالب، وخرجت من براري النفس ودخلت في [دار] عروس القلب، وشممت نسيم رياض الوادي الأيمن، ووصلت إلى وادي القدس الذي هو منتهى أطوار القلب في علم الخفي يعطيك بالسبعية الكوثر الذي أعطاه للحبيب بالأصالة، كما قال في كتابه العزيز: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [الكوثر: 1]، ويسقيك من ذلك الحوض طهور شراب المعرفة في كأس المحبة على ساقي اللطف والكرم، كما قال تعالى: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21].
فينبغي أن تصل بجميع قوى لطائفك لهذا المقام، كما قال لحبيبه: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } [الكوثر: 2]؛ أي: فانحر ذات النفس لقربانك إلى عالم الذات، كما أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم: { وَٱنْحَرْ } [الكوثر: 2] ولا تخف مما يلقي إليك الشيطان، ويقول لك: إن كنت تنحر ذات النفس تبقى ابترا، { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } [الكوثر: 3]؛ أي: عدوك أبتر عن الحظوظ، فالمتيقظ هو الذي لا يتكلم في المقام كله من المعارف نظراً إلى أن تبقى منه هذه المعرفة تذكرة، لأن الله تعالى بغضب عليه، وأمر بنحر ذات نفسه في هذا المقام لأجل هذا السر، فإن أدى السالك حق هذا المقام بإسبال الأستار على وجه الأسرار، يجري الله سبحانه على قلبه ولسانه أسرار ومعارف من غير شعوره بها على وجه لا ينقض الظاهر، ويبقى اسمه في العالم من أولاد قلبه وأثمار أشجار وجوده الباقي أبد الآباد آمناً عن الفناء والنفاذ.
اللهم أعنا على نحر ذاتنا، ووفقنا لنصلي ي كعبعة القلب متوجهين إلى قبلة الوجه بجميع قوى لطائفنا كما تحب وترضى