التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ
١
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
٢
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٣
وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
٤
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٥
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا أيها السالك المبتدئ في مملكة الأعادي بين جنود قوى القالب وأحزاب قوى النفس الأمارة، { قُلْ } [الكافرون: 1] معهم عند هجومهم عليك ليقطعوا عليك { يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [الكافر: 1] بنعمة الوجود، والذي أعطاكم الموجد { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون: 2] من أصنام قوى الطبيعة الحيوانية، { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 3] وأنا أعبد موحداً، { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } [الكافرون: 4] من آلهة الهوى النفسانية.
{ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 5] وهو الحق الخالق الرازق، { لَكُمْ دِينُكُمْ } [الكافرون: 6] في عبادتكم العجل الباطل، { وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6] في عبادتي الملك الحق العادل، وهذا مقام المهادنة لضعف حزب الرحمن؛ وهو القوى القلبية، فإذا أبلغ السالك مبلغ الرجال وتم أمر السلوك، وظهر له أصحاب الإلهامات، وطلع رايات السكينة من أعالي مدينة رسول الخاطر الحق يتسنح حكم هذه المهادنة بالأمر الصادق عن الحضرة الألوهية،
{ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم } [البقرة: 191]، أما في برادي القالب، أو في صحاري النفس، أو في حرم الصدر، أو في كعبة القلب، والرياء المحمود، هذا الرياء الذي حمله على المهادنة والتقية في هذا المقام جائزة بل واجبة؛ لأنه تعالى يقول: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28] إلى قوله: { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } [آل عمران: 30]؛ لأنه مطلع على ضعفهم عند المقاومة مع الأعادي وقوة إيمانه بالله فيرحمه ويتجاوز عنه، ويرأف به بالنظرة له عليهم عن تكميل قواه على وفق الحكمة والسنة الجارية، { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23]، فالسعيد في هذا المقام هو أن يجتهد في إضعاف قوة العدو بترك ما اشتهت نفسه من الأكل والشرب والنوم وما فيه الاستراحة للبدن، ويبالغ في الطاعات المقوية لجند القلب وحزب الرب بالإخلاص التام الذكر القوي الخفي، بشرط النفي والإثبات من أنفع المعالجات لتقوية مزاج القلب وتضعيف القوى النفسانية، وإخراج الأخلاق الردية الهوائية دماغ العقل.
اللهم أجمعنا صحيحين مستقيمين في طاعتك وعبوديتك، وثبتنا في الجهاد مع أعدائك على وفق متابعة حبيبك صلى الله عليه وسلم، وآله وصحبه أجمعين.