التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
١
أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
٢
وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٥
-هود

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } [هود: 1] إلى قوله: { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [هود: 5].
فقوله: { بِسمِ ٱلله } يشير إلى: الذات، { الرَّحْمٰنِ } يشير إلى: صفة الجلال، { الرَّحِيـمِ } يشير إلى صفة الجمال، والمعنى: أن هاتين الصفتين قائمتان بذاته جل جلاله، وباقي الأسماء مشتملة على هاتين الصفتين وهما من صفات القهر واللطف، قوله: { الۤر } يشير بالألف إلى الله، وباللام: إلى جبريل، وبالراء: إلى الرسول؛ يعني: ما أنزل الله مع جبريل إلى الرسول، { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } يعني: القرآن كتاب أحكمت بالحكم آياته، كقوله تعالى:
{ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [البقرة: 151] فالكتاب: هو القرآن، والحكمة: هي الحقائق المعاني والأسرار التي أدرجت في آياته، { ثُمَّ فُصِّلَتْ } أي: بينت لقلب العارفين تلك الحقائق والحكم.
{ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ } [هود: 1] أودع فيها بالحكمة البالغة التي لا يقدر غيره أبدّاً عليها فيها، وهذا سر من أسرار إعجاز القرآن، { خَبِيرٍ } [هود: 1] على تعليمها من لدنه لمن يشاء من عباده كقوله تعالى:
{ فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف: 65] يشير إلى أن القرآن ظهراً يطلع عليه أهل اللغة، وبطناً لا يطلع عليه إلا أرباب القلوب الذين أكرمهم الله بالعلم اللدني ورأس الحكمة، وسرها أن يقول: يا محمد لأمتك أمرتم { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } [هود: 2] أي: لا تعبدوا الشيطان ولا الدنيا ولا الهوى ولا ما سوى الله، { إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ } [هود: 2] أنذركم بالقطيعة من الله تعالى أن تعبدوا أو تطيعوا وتحبوا غيره، وعذاب العبد في الجحيم، { وَبَشِيرٌ } [هود: 2] أبشركم أن تعبدوه وتطيعوه وتحبوه بالوصول ونعيم الوصال في دار الجلال.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصاً بالدعوة إلى الله من بين الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام - يدل عليه قوله تعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } [الأحزاب: 45-46].
فقوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } يشير إلى ألاَّ تطلبوا غير الله، ثم قال: { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } [هود: 3] فيما فرطتم من أيام عمرك في طلب غير الله، وترك طلبه، وتحصيل الحجب، وإبطال الاستعداد الفطري ليكون الاستغفار وتزكية لنفوسكم وتصفية لقلوبكم، { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } [هود: 3] أي: ارجعوا بقدم السلوك إلى الله؛ لتكون التوبة تحلية لكم بعد التزكية بالاستغفار وهي قوله: { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً } [هود: 3] وهو الترقي في المقامات من السفليات إلى العلويات، ومن العلويات إلى حضرة العلي الكبير، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [هود: 3] وهو انقضاء مقامات السلوك، وابتداء درجات الوصول، { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ } [هود: 3] ذي صدق واجتهاد في الطلب، { فَضْلَهُ } [هود: 3] في درجات الوصول، فإن المشاهدات بقدر المجاهدات.
{ وَإِن تَوَلَّوْاْ } [هود: 3] أي: أعرضوا عن الطلب والسير إلى الله، { فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود: 3] أي: عذاب يوم الانقطاع عن الله الكبير، فإنه أكبر الكبائر وعذابه أعظم المصائب إلى { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } [هود: 4] طوعاً أو كرهاً، فإن كان بالطوع يتقرب إليكم بجذبات العناية، كما قال:
"من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً" ، وإن كان بالكره يسبحون في النار على وجوههم، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } [هود: 4] من اللطف والقهر: { قَدِيرٌ } [هود: 4].
{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } [هود: 5] أي: يقلبون؛ لأن ثني صدورهم في الدنيا من نتائج حرمانهم النور المرشش في عالم الأرواح حين رش عليهم من نوره، نزل تنبيها للنبي صلى الله عليه سلم والمؤمنين لحال من كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن يثني صدره وطاعة قدر واشتد على نفسه بثيابه ئلا يعرفهم النبوة ولئلا يسمعوا قراءته كراهة لها وهم كفار، { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } [هود: 5] ثياب الجسمانية على وجه الروح.
{ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } [هود: 5] من حرمان النور ينقصان الحرمان تحت يثاب القلب، { وَمَا يُعْلِنُونَ } [هود: 5] من ثني الصدور والاستخفاء ما لا يخفى عليه قبل جنس ما شريف، فإنه يظهر المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وله حلو الكلام وحسن المنظر، وله الجنة صلى الله عليه وسلم مجالسة ومحادثة وهو يضمر خلاف ما يظهر واللهُ مطلع على ما في نفسه بقوله تعالى: { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [هود: 5] بما في الصدور في القلوب الظلمانية الفارغة عن النوارنية التي بها الاهتداء منها الاقتداء بالأنبياء - عليهم السلام - واللهُ أعلم.