التفاسير

< >
عرض

وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ
٦٤
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
٦٥
فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ
٦٦
وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٦٧
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ
٦٨
-هود

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن تأكيد هذه المعاني وتشييد هذه المباني بقوله تعالى: { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } [هود: 61] والإشارة فيه ما سبق ذكره في قصة هود وعاد إلى قوله: { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } [هود: 64] يشير بالناقة إلى ما أخرج الله له بضرب عصا صالح القلب وهي عصا الذكر على صخرة السر من ناقة عشراء، وهو حكمة الله تعالى تضع في الحال فصيل تفصيل الدين وأحكامه، وهي آية يستدل بها على حكيم هذه الحكمة.
{ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } [هود: 64] أرض البشرية عشب صفاتها ونبات خواطرها ودواعيها وتشرب من مشارب ثمود النفس شهواتها يوم وردها عند غلبات واردات ويحلبون لبنها لبن الأسرار والمعاني مثل الذين كنتم تشربون من ماء الشهوات يوم عيشها؛ يعني: عند عدم غلبات الواردات، وهو عبارة عن حال الصحو والسكر والستر والتجلي.
{ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } [هود: 64] أي: لا تنحروا ناقة الحكمة بحربة معاملات الجهالة، { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } [هود: 64] وهو عذاب الجهل الذي يحصل في الحال عند انعدام الحكمة، فإنه إيذاء أردأ من الجهل، { فَعَقَرُوهَا } [هود: 65] يشير إلى ثمود النفس الأمارة بالسوء فمسوها بسوء، { فَقَالَ } [هود: 65] صالح القلب، { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ } [هود: 65] أي: الدنيا، فإنها مسكن النفس ومقرها.
{ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [هود: 65] اليوم الأول، هو يوم الجهل وفيه تصفر الوجوه، واليوم الثاني: هو يوم الغفلة وفيه تحمر الوجوه، واليوم الثالث: هو يوم الدين والختم على القلوب وفيه تسود الوجوه، { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [هود: 65] لأن وقوعه بالبعد في الحال، { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } [هود: 66] بالعذاب.
{ نَجَّيْنَا صَالِحاً } [هود: 66] أي: صالح القلب، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } [هود: 66] من الروح والسر وغيرهما من البدن وجوارحه، { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } [هود: 66] وهي توفيق أعمال النجاة، { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } [هود: 66] أي: نجيناهم من الهلاك هلاك الدين ومن خزي يوم القيامة، { إِنَّ رَبَّكَ } [هود: 66] الذي يربيك يا قلب، { هُوَ ٱلْقَوِيُّ } [هود: 66] على تربيتك وحفظك من آفة الهلاك والفساد، { ٱلْعَزِيزُ } [هود: 66] في تقوية أهل العزة وتربيتهم.
{ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [هود: 67] وضعوا عبادة الله ومحبته في غير موضعها من الدنيا والهوى وهو ثمود النفس وصفاتها، { ٱلصَّيْحَةُ } [هود: 67] وهي صاعقة القهر وفيها صوت كل شيء في الأرض أي: صوت تعلق كل شيء من الدنيا وشهواتها جمعت فعادت صاعقة القهر، { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ } [هود: 67] وهي أسفل السافلين الطبعية.
{ جَاثِمِينَ } [هود: 67] هالكين؛ { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } [هود: 68] كأن لم يفهموا فيها سالمين، { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ } [هود: 68] ثمود النفس، { كَفرُواْ رَبَّهُمْ } [هود: 68] ستروا الحق بالباطل.
{ أَلاَ بُعْداً } [هود: 68] طرداً ولعناً، { لِّثَمُودَ } [هود: 68] النفس عن الحضرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم إشارة أي: خلال النفس وصفاتها بعذاب البعد عن صاعقة القهر إلا ما كان في حرم الله تعالى وهو الشريعة يعني: النفس وصفاتها وإن لم تكن آمنت ولكن التجأت إلى حرم الشريعة، آمنت من عذاب البعد فيكون بقدر التجائها في القرب وجوار الحق وهو الجنة ولهذا قال النفس المطمئنة:
{ فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 29-30].