التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً
٢
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
٣
-النصر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا صاحب الفتح، اعلم أن الله تعالى يقول: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1] في جهادك ومقاتلتك الأعداء النفسانية والشيطانية، والفتح الذي حصل لك في تخليص حصونهم لمشيده.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } [النصر: 2]؛ أي: القوى النفسانية والشيطانية، { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ } [النصر: 2]؛ أي: يدخلون في حكم اللطيفة القلبية، ويدخلون دين الحق، ويكسرون أصنام الخلق ودنان خمر الغفلات، ويخربون بيت الأوثان وحان الشهوات، أو يدبرون عن الباطل ويقبلون على الحق، ويتوجهون إلى كعبة القلب ويستقبلون قبلته { أَفْوَاجاً } [النصر: 2]؛ أي: فوجاً بعد فوج من القوى الطبيعية والحسية والفكرية والعقلية.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [النصر: 3]؛ أي: نزه نفسك عن رؤية النصرة والفتح باجتهادك وكفايتك وحلتك ورأيك، وتيقن بأن النصر والفتح كان من تو فيق الله تعالى، واحمد ربك على وجدان التوفيق لتنزيه نفسك عن هذه الرؤية وتسبيحك الحق؛ لأنه ما نصرك وما فتح عليك بعلة من العلل الخارجة والداخلة؛ لأنه منزّه عن أن يعمل عملاً بعلة - تبارك وتعالى - عن مباشرة فعل معلول وعمل مجهول، { وَٱسْتَغْفِرْهُ } [النصر: 3] من خطرات خطرت بقلبك من السرور بالنصر والفرح بالفتح؛ لأنهما من هذا المقام يحجبانك عن النصير الفتاح بالحقيقة.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [النصر: 3] يقبل توبة العبد ويوفقه بالتوبة؛ لأنه يحب توبة العبد المذنب كما أنه يحب عبادة العبد الصالح؛ لأن العبد المذنب مظهر لصفة غفاريته، والتائب مظهر لصفة توابيته، كما أن العابد مظهر لصفة معبوديته، على سمة الأسماء تجري أمور الناس، والأسماء مصدر الآثار، كما أن الصفات مصدر الأفعال، فاحفظ هذا السر العزيز.
واعلم أن النصرة إشارة إلى غلبة لطيفتك الخفية على جنود الباطل، والفتح إشارة إلى فتح مكة وجودك حرم صدرك وكعبة قلبك وتطهيرها عن جنود النسناس، وأحزاب الخناس، وأصنام الوسواس.
وفي هذه المقام يدخل السالك في زمرة الإنسان بعد خروجه عن مرتبة الناس، ولا يمكن للسالك الخروج عن المرتبة الناسية والدخول في دار الإنسانية إلا بالانخلاع عن لباس البشرية وخلاصة عن تلبيس الشيطانية، ولا تدرك هذه المعاني بالفكر والقياس والحدس الذكي وحده الحواس.
اللهم انصرنا على الأعادي، وافتح علينا أبواب الأيادي، واحفظنا في البوادي عن الخلق العادي، لنشكرك شكر الصادي عن الماء الزلال البارد في الحر الشديد إذا سقى في الكوز الجديد المملوء من الجليد ليكون بثمر المريد يا رب العالمين.