التفاسير

< >
عرض

تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
١
مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
٢
سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ
٣
وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ
٤
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ
٥
-المسد

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا أيها الحريص على أطراف كعبة قلبك، اعلم أن أبا لهب نفسك أمر مرآة هواه ليجمع العصاة بين الحطب، ويفرق حول كعبة قلبك المبينة في حرم صدرك ليتخرج في قدم همتك ويمنعك عن الطواف بكعبة قلبك، أما تسمع ما يقول أبو لهب نفسك حين ناداه لطيفتك الخفية ليبلغ إليه ما أوحيه للطيفتك تبارك، تباً لك ألهذا وعدتنا وأبى دعوة الحق؟! فكيف أجاب الله له على لسان لطيفتك؟!
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } [المسد: 1]، أو هلكت قوتا القبض والبسط لنفسك الخبيثة المستعملة لهما في الباطل، { وَتَبَّ } [المسد: 1]؛ أي: أجاب هذا الدعاء؛ لأن يداه لا تصل إلى اللطيفة الخفية، وهي يجمع لنفسه الحطب ليحترق به بتلهب من سوأة نيران حسده وحقده، وكان أبو لهب؛ أي: صاحب لهب في سعير نفسه وجحيم قالبه، ولا شك أن الألقاب تنزل من السماء.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } [المسد: 2] وهو ماله من القوى القالبية، { وَمَا كَسَبَ } [المسد: 2] في عالم الناسوت بتلك القوى الذميمة عن اللقب الذي نزل معه من السماء، { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 3]؛ لأنه جمع الحطب بالقوى القالبية والنفسية، وأشعل نيران الحقد والحسد، وسير نفسه وجحيم قالبه ذات لهب من ريح غروره بنور ناره وعجبه بنفسه، وبكرة على القوى القلبية.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [المسد: 4]؛ أي: هوى المؤدي الذي به يمكن لأبي لهب النفس أن يحمل الحطب من أشجار أم غيلان هلاكه في صحاري الشيطان، { فِي جِيدِهَا } [المسد: 5]؛ أي: في أصل خاطر الهوى، { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5] وأصل خاطر الكبر، وأبى الشيطان أمر الرحمن كان من استكباره، كما قال تعالى:
{ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 34]، ودعوى الهوى بالألهية أيضاً كان من غاية تكبره؛ أي: في عتق كبره الذي به تطاول على اللطائف حبل من ذلة، وهو تمنيها الكاذب الذي يجرها إلى أسفل سافلين دركات الطبيعة، ولأجل هذا يكون دائماً منكس الرأس، كما أخبر الله تعالى عن أحوالهم في كتابه حيث قال: { نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [السجدة: 12]، فالواجب على الطائف حول الكعبة ألاَّ يلتفت إلى هو نفسه لحظ نفسه؛ ليمكن له الدخول في بيت ربه ومشاهدة وجهه إن شاء الله تعالى.
اللهم خلصني من هوى نفسي، وأدخلني كعبة قلبي، وأقرر عيني بمشاهدة جمال ربي بحق محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، وعلى من اتبع الهدى وترك الهدى في متابعة المصطفى.