التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
١
مَلِكِ ٱلنَّاسِ
٢
إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ
٣
مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ
٤
ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ
٥
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
٦
-الناس

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

أيها الهارب من شر أنانية نفسك الطالب أنانية حقك، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [الناس: 1] في عالم القلب؛ ليحفظك بربوبيته من ذنوب القوى القالبية، { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 2] في عالم النفس يسلطك على جنود القوى النفسانية بسلطنة مكية، { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 3] في عروجك عن سماء صدرك ليخلصك عن آلهة هواك [و]ألوهيته { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } [الناس: 4] الذي بواسطة هذه القوى [يلقي] { ٱلْخَنَّاسِ * ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 4-5] على إلقاء الخواطر في صدورهم { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 6]؛ أي: من القوى الخبيثة القالبية والنفسية.
واعلم أن الاستعاذة واجبة على جميع اللطائف في عروجهم على سماوات أطوار الغيوب خاصة اللطيفة القالبية والنفسية عند عروجها على سماء الصدر؛ لأن الشياطين يعرجون إلى أن يصلوا إلى سماء الصدر ليسترقوا السمع، أو يشق شق السالك المجذوب المقبول المردود إلى عالم القالب داعياً أمته إلى الحق، أو يوسوس اللطيفة القالبية عند عروجها على سماء الصدور ودخولها عالم القلب؛ لئلا يتمتع بالعروج وسيولها بالأمنية الشهوية، ويعبدها محبة الهوى الردية، فإذا استعاذت اللطيفة بالرب صارت الاستعاذة كالشهاب الثاقب، ويحرق أجنحة الخواطر الشيطانية الصادة لها عن الردود إلى حضرة القابلية، ولا يمكن الشيطان أن يتجاوز عن سماء الصدر ببركة قوة النبوة المحمدية.
فيا أيها المحمدي، اجتهد في طلب اللطيفة الخفية المنسوبة إلى محمد المخصوصة بأحمد لتصل إليها في أفق المقام المحمود، وتتنعم فيها بمشاهدة المعبود، ولا يمكن لك طلب اللطيفة الخفية ما دام معك من دنياك شيء، أما سمعت أن عيسى عليه السلام كان نائماً متكئاً على لبنة، فجاء الشيطان اللعين ووقف على رأسه، فلما أحس عيسى عليه السلام بمجيء اللعين هب من منامه وقال: ما جاء بك أيها اللعين إليَّ، فقال: أخذت قماشتي فجئت أطلب القماش، فقال عيسى عليه السلام: وما قماشك؟ قال: هذه اللبنة التي وضعتها تحت رأسك، فأخذ روح الله اللبنة ورمى بها وجهه، فإذا كان حاله عليه السلام كذلك فما ظن أحد غيره بحاله مع وجود اشتغاله بماله ومناله وأهله وعياله، إن الشيطان يدعه أن يخرج على سماء الصدر أو يشتغل بالسلوك فلا يغرنك الغرور، ومعك من قماشه شيء يسير وهو الدنيا بأنك تسلك الطريق وتصل إلى عالم الحقيقة، ولو تجردت عن الدنيا بأسرها في مقام التجريد يمكن لك بعد ذلك السلوك، ولكن لا يمكن لك الوصول لطيفتك الخفية ما دام في باطنك شيء من المعاني الباطلة والقالبية والنفسية والقلبية والسرية والروحية والخفية فإذا أفردت نفسك في مقام التفريد يمكن لك بعد ذلك السلوك ولكن لا يمكن لك الوصول إلى لطيفتك الخفية ولكن لا يمكن لك مشاهدة الحق الأعظم ومعك الحقوق الحاصلة من تصفية اللطائف عن الأباطيل حتى صارت حقوقاً صرفة، فلما وجدت في مقام التوحيد عن الحقوق فيمكن لك مشاهدة الحق الأعظم ولكن لا يمكن لك الاطلاع على أسرار الذات الواحد كما هو حقها ما دام معك رؤية التوحيد فإذا جردت عن رؤية التوحيد ووجدت في مقام الوحدة متمكناً في مقام العبودية فيطلعك الله الملك المبين على أسرار ذاته المقدسة وصفاته المسبَّحة وأفعاله المنزهة وآثاره المتقنة المحكمة، ويجعلك محرماً لأسراره وخازنا لأنواره ومظهراً لآثاره.
اللهم لا تكلني إلي طرفة عين ولا أقل من ذلك يا رب وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد الله رب العالمين.