التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
٧٣
قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ
٧٤
قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٧٥
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
٧٦
-يوسف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ } [يوسف: 73] أي: علمتم أننا من المقبلين على يوسف القلب لا من المردودين المعرضين عنه المقبلين على النفس المفسدين في الدنيا كما قالت الملائكة: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [البقرة: 30] { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } [يوسف: 73] إذ أخذنا يوسف القلب وألقيناه في جب البشرية، بل كنا ساعين في نيل مملكة مصر العبودية؛ ليكون عزيزاً فيها ونحن نكون دليلاً له، { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } [يوسف: 74] أي: فما جزاء السارق إن كنتم سارقين. { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } [يوسف: 75] أي: جزاء من وجد فيه هذه المشرب نفسه بأن يفديها في طلب الشرب من هذا المشرب، فإن لكل شارب مشرباً ولكل مشرب فدية، ففدية مشرب الشارب من مشرب الدنيا صنعته وحرفته، وكسب فدية شرب الشارب من مشرب الآخرة ترك الدنيا وشهواتها، وسعادة في الطاعات والعبادات والمجاهدات، وفدية شرب المشارب من شربة محبة الله وطلبه بذل وجوده الشارب، { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [البقرة: 60] فهو جزاؤه كل جزاء الحطب الموقد النار الوقود بالنار.
{ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [يوسف: 75] بل المظلومين الجهولين الذين وضعوا صواع الملك في غير موضعه طمعاً في أن يكون حريف الملك وشربيه قبل بلوغهم، { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } [يوسف: 76] والإشارة فيه: إن الأوصاف البشرية مستحقة أن يكون سقاية الملك توجد في أوعيتهم، فإن تلك السقاية إنما توجد في دعاء القلب أو السر.
{ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } [يوسف: 76] يعني: كما كاد أوصاف البشرية في الابتداء بيوسف القلب إذا ألقوه في جب البشرية كدنا لهم عند قسمة الأقوات من خيرات الملك جعلنا قسمتهم من علف الدواب، وقسم بنيامين السر بقوته الملك، { كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } القلب، { مَا كَانَ } [يوسف: 76] ليوسف القلب، { لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } [يوسف: 76] السر ويضمه إلى نفسه، { فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } [يوسف: 67] أي: في طلب دين الملك بل في الملك، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [يوسف: 76] فيدبر تدبير التيسير هذا الشأن العظيم والشأن الجسيم، فإن المدبر هو الله الرافع لا غيره كقوله: { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } [يوسف: 76] من عندنا بأن نؤتيه علم الصعود من حضيض البشرية إلى ذورة العبودية بتوفيق الربوبية.
{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ } [يوسف: 76] آتيناه علم الصعود، { عَلِيمٌ } [يوسف: 76] بجذبة من المقعد الذي يصعد إليه بالعلم المخلوق إلى مصعد لا يصعد إليه إلا بالعلم القديم، وهو السير في الله بالله إلى الله، وهذا إسراع لما يسعه أدعية الإنسان، واللهُ أعلم.