التفاسير

< >
عرض

وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٨٢
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٨٣
وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ
٨٤
قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ
٨٥
قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨٦
-يوسف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } [يوسف: 82] يعني: أهل مصر الملكوت من الملائكة الكرام الكاتبين، { وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } [يوسف: 82] أرواح الأنبياء والأولياء، { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [يوسف: 82] فيما أخبرناكم، وفي قوله: { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [يوسف: 83] إشارة إلى أن للنفس تسويلات، ولأوصاف البشرية خيالات يتأذى بها يعقوب الروح، وله مقاساتها والمواساة بها لإمضاء أحكام الله وقضائه وقدره صبر جميل، وهو أن يصبر على إمضاء أحكامه، ولا يعترض عليه ولا يعارضه بتبديل الأحكام، بل يستسلم إليه قبل قضائه وقدره ويقول: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } [يوسف: 83] يشير إلى أن متولدات الروح والقلب والسر والأوصاف وغيرها، وإن تفرقوا وتباعدوا عن الروح في الجسد؛ لتحصيل أسباب استكمال به الروح، وترقي عن مقامات الروحانية إلى درجات قربات الربانية، فإن الله تعالى بجذبات العناية يجمعهم ويأتي بهم جميعاً في مقعد صدق عند مليك مقتدر، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ } [يوسف: 83] بأنه فوقهم، { ٱلْحَكِيمُ } [يوسف: 83] فيما فرقهم فبحكمه يجمعهم.
وفي قوله: { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [يوسف: 84] إشارة إلى أن كمالية يعقوب الروح في الإعراض عمَّا سوى الحق تعالى، ولا يتأسف على فوات شيء من المخلوقات إلا على يوسف القلب؛ وذلك لأن القلب مرآة جمال الحق تعالى، فتأسف صاحب الجمال على المرآة ما هو على المرآة إنما هو على الجمال، فيكون تأسف الروح على القلب تأسفه وحزنه إلى مشاهد جمال الحق؛ لأنه لا يشاهد إلا في مرآة القلب، ولهذا أشار بقوله: { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } [يوسف: 84] لأن المشاهدة حظ العين وابيضت عيناه في انتظارها، ولمَّا كانت أوصاف البشرية تعدل عمَّا كان عند يعقوب الروح من الشوق المبرح والقلب المزعج.
{ قَالُواْ } [يوسف: 85] على تأسفه، { تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } [يوسف: 85] طالما يلوم أهل الشفاعة المحبين، ومن علامة المحب: ألاَّ يخاف في الله لومة لائم، فيه يشير إلى أن لا بدَّ للمحب من ملامة الخلق، فأول ملامتي في العالم آدم عليه السلام حين لامت فيه الملائكة قالوا:
{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [البقرة: 30] ولو أمعنت النظر لرأيت أو ملامتي على الحقيقة حضرة الربوبية بقولهم: { أَتَجْعَلُ فِيهَا } وذلك لأنه تعالى كان أول محب أودع المحبة وهو قول { يُحِبُّهُمْ }، فافهم جدّاً.
{ قَالَ } [يوسف: 86] يعقوب الروح في جوبهم حين حسبوا أن تأسفه وحزنه على يوسف القلب له خاصة: { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ } [يوسف: 86] أي: لأني أعلم من جمال الله وكماله وعظمته وجلاله واستحقاقه للمحبة والشوق إلى لقائه، { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [يوسف: 86].