التفاسير

< >
عرض

سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ
١٠
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
١١
هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
-الرعد

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ } [الرعد: 10] في مكن الغيب بحيث لم يخرج منه، ولا شعور له به، { وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } بأن يظهر القول، ويخطر بباله وله به شعور { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ } [الرعد: 10] أي: بليل العدم، ولم يخرج منه { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [الرعد: 10] أي: بنهار الوجود كل هذا سواء عنده؛ لأن علمه به يحيط { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ } [الرعد: 11] أي: لله معقبات في العلم والحكمة { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } [الرعد: 11] أي: من بين يديه ما هو معلوم له.
{ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 11] الذي لأمر الله بحيث لا يخرج إن شاء تكوينه يكونه، وإن شاء إعدامه فيعدمه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ } [الرعد: 11] فقي الوجود والعدم { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد: 11] باستدعاء الوجود، أو العدم بلسان استحقاق الوجود والعدم على مقتضى حكمه ووفق مشيئته { وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا } [الرعد: 11] لاقتضاء حكمته الأزلية { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } [الرعد: 11]؛ لأنه محفوظ بمعقبات من بين يديه ومن خلفه لأمر الله { وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [الرعد: 11] يحولهم من حال إلى حال { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } [الرعد: 12] يشير إلى أن البروق مختلفة، فإذا أرى الله تعالى السائر برقاً من لمعان أنوار الجلال يغلب عليه خوف الانقطاع واليأس، فإذا أراه برقاً من تلألؤ أنوار الجمال يغلب عليه الرجاء والاستئناس.
{ وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [الرعد: 12] من أثر الفضل والنوال بمطر الإقبال والإفضال { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } [الرعد: 13] يشير إلى أن الرعد ملك خلق من نور الهيبة الجلالية، فإذا سبَّح وقعت الهيبة على الخلق كلهم حتى الملائكة وتسبَّح { وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } [الرعد: 13] أي: من هيبته { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ } [الرعد: 13] أي صواعق القهر من بروق أنوار جلال { فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } [الرعد: 13] من أهل الخذلان والضلال فيحرق حسن استدلالهم في قبول الإيمان، ويغرقهم في بحر الكفر والطغيان.
{ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ } [الرعد: 13] أي: في ذاته وصفاته يشير به إلى أن أهل الخذلان في ذات الله وفي صفاته مثل الفلاسفة والحكماء اليونانية الذين لم يتابعوا الأنبياء، وما آمنوا بهم، وتابعوا العقل دون السمع، وبعض المتكلمين من أهل الأهواء والبدع هم الذين أصابتهم صواعق القهر، واحترقت استعداداتهم في قبول الإيمان؛ فظلوا يجادلون في الله، هل هو فاعل مختار أو موجب بالذات لا بالاختيار؟
ويجادلون في صفات الله هل لذاته صفات قائمة به أم هو قادر بالذات، ولا صفات له؟ ومثل هذه الشبهات المكفرة المضلة من سبيل الرشاد { وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } [الرعد: 13] أي: الله تبارك وتعالى شديد العقوبة، والأخذ لمن جادل فيه بالباطل { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } أي: دعوته حق لمن دعاه تبارك وتعالى، والأخذ لمن جادل فيستجيب كما دعا السماوات والأرض.
وقال لهما:
{ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11] فاستجابوه وأيضاً { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } [الرعد: 14] أي: له دعاه يدعون الخلق بالحق إلى الحق، وأيضاً أي: من دعا الخلق للحق تعالى فهو الحق، ومن دعا للهوى فهو باطل، وإن دعا إلى الحق { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } [الرعد: 14] أي: يدعون لغير الحق { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ } [الرعد: 14] أي: لا يقبلون النصح إذا خرج من القلب والتناجي، ولا يتأثر فيهم { إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ } [الرعد: 14] أي: كي يبسط يده إلى الماء أداة للخق بأن يريد شربه { وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } [الرعد: 14]، إلى فمه فلا يحصل الشرب على الحقيقة، وأنه توهم الخلق أنه شارب، وهذا مثل ضربه الله تعالى للدعاة من أهل الأهواء والبدع يدعون الخلق لغير الله، فلا يستجيبون على الحقيقة، وإن استجيبوا في الظاهر؛ لأنهم استجابوا لهم على الضلال يدل عليه قوله: { وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [الرعد: 14] يعني: الملائكة وأرواح الأنبياء والأولياء، وأهل الدرجات من المؤمنين والأرض، أي: ومن في الأرض من الملائكة والمؤمنين { طَوْعاً } [الرعد: 15]، ومن الكافرين والمنافقين والشياطين { وَكَرْهاً } [الرعد: 15] بالتذليل والتسخير تحت الأحكام والتقدير.
{ وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [الرعد: 15] أي: نفوسهم، وإن النفوس ضلال الأرواح، وليس السجود بالطوع من شأن النفوس؛ لأن النفوس أمارة بالسوء طبعاً إلا ما رحم الرب تعالى، فسجد طوعاً، والإكراه على السجود بتبعية الأرواح، وأيضاً { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [الرعد: 15] أي: سماوات القلوب من صفات القلوب والأرواح، والقعول طوعاً { وَٱلأَرْضِ } [الرعد: 15] أي: ومن في أرض النفوس من صفات النفس الحيوانية والتبعية كرهاً؛ لأنه ليس من طبعهم السجود والانقياد.