التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر عن حال يوم القيامة فقال: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [إبراهيم: 21] أي: خرجوا من القشور الفانية المحجبة الباقية جميعاً من الضعيف والقوي { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ } وهم المتقلدة لأهل البدع { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } أي: للمبتدعين الزائفين عن الحق والسنة { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } بالتقليد { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } [إبراهيم: 21] عذاب البعد والانقطاع عن الله { قَالُواْ } يعني: أهل البدع { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ } إلى طريق أهل السنة والجماعة، وهو الطريق إلى الله وقربه { لَهَدَيْنَاكُمْ } إليه به يشير إلى أن الهداية والضلالة من نتائج لطف الله وقهره ليس إلى أحد من ذلك شيء، فمن شاء جعله ظهراً لصفات لطفه ومن شاء جعله مظهراً لصفات قهره { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ } في طلب النجاة من ورطة الهلاك وعذاب البعد { أَمْ صَبَرْنَا } انتظار الرحمة { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } للنجاة لأنه ضاع منا آلة النجاة وأوانها.
{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } [إبراهيم: 22] من أمر أهل السعادة بالسعادة وأمر أهل الشقاوة بالشقاوة { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } وهو وعد وهو حق لأهل الحق { وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } فيما وعدكم ربكم وهو تكذيب اللقاء والتلاقي وهو وعد { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي } فيما وعدتكم بالباطل لأني خلقت لهاذ، ولأني عدو مبين لكم وقد حذركم الله عداوتي { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } بأن صدقتموني فيما كذبتم وكذبتم الله فيما قصدتكم، وذلك أن مقالتي كان ملائماً لهوى أنفسكم وكلام الحق مخالف لهواها، ومر على مذاق النفوس { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } مكافياً فيما صدقتموني { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } مكافياً في الإحسان فيما أسأت إليكم من كرامة الإنسانية { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } وآمنت بوحدانية الله حين لا ينفع نفساً إيمانها { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وهو الشيطان ومتبعوه من الإنس والجن إن الشيطان وضع الدعوة إلى الباطل من غير موضعه، وأنهم وضعوا الاتباع في غير موضعه.
{ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [إبراهيم: 23] يشير إلى أن الإنسان إذا خلا إلى طبعه لا يؤمن ولا يعمل الصالحات ولا يدخل الجنة؛ لأنه خلق ظلوماً جهولاً لا كفاراً سفلي الطبع ونفسه { لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [يوسف: 53] وأدخله بفضله في الإيمان والأعمال الصالحة والحسنات { جَنَّاتٍ } القلوب { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } من ماء الحكمة { خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: لعنايته فإن لم تكن العناية لا يبقى أحد في جنة القلب ساعة، كما لم يبقَ آدم عليه السلام في الجنة خالداً { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أي: تحية أهل القلوب على أهل القلوب وأهل النفوس سلام فأما على أهل القلوب لسلامة قلوبهم، وأما على أهل النفوس سلام من قلوبهم ليسلموا من شر نفوسهم، كما قال تعالى: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63].
{ أَلَمْ تَرَ } [إبراهيم: 24] ألم تشاهد بنور النبوة يا محمد { كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } مناسباً للاستعداد الإنساني القابل لفيض نور الإلهية دون سائر مخلوقاته بقوله تعالى: { كَلِمَةً طَيِّبَةً } وهي كملة لا إله إلا الله وهي كلمة القديم وصفة وحدانيته وصورة أحديته { كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } وهي شجرة طيبة عن لوث الحدوث مثمرة شواهد أنوار القدم { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } في الحضرة الألوهية فإنها صفة قائمة بذاته تعالى { وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } سماء القلوب.