التفاسير

< >
عرض

وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٤٩
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ
٥٠
لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٥١
هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٥٢
-إبراهيم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ } [إبراهيم: 49] هم أرواح أجرموا إذا اتبعوا النفوس ووافقوها في طلب الشهوات والإعراض عن الحق { يَوْمَئِذٍ } يوم التجلي { مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } أي: مقيدين مع النفوس بقيود صفاتها الذميمة الحيوانية لا يستطيعون البروز والخروج لله، { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } [إبراهيم: 50] المعاصي وظلمات النفوس وهم يحجبون بها عن الله { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } نار الحسرة والقطيعة والحرمان.
{ لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ } [إبراهيم: 51] أي: كل أرواح { مَّا كَسَبَتْ } من صحبة النفس وموافقتها { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي: يحاسب الأرواح بالسرعة في الدنيا ويجزيهم بما كسبوا في متابعة النفوس من العمى والصم والجهل والغفلة والبعد وغير ذلك من الآفات قبل يوم القيامة { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ } [إبراهيم: 52] لأرواح نسوا عالم الوحدة وشهودهم مع الله بلا حجب الغفلة { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } أي: ليتنبهوا بهذا البلاغ قبل المفارقة عن الأبدان لينتفعوا به فإن الانتباه بالموت لا ينفع { وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } فيعبدوه ولا يعبدوا إلهاً غيره من الدنيا والهوى والشيطان وما يعبد من دون الله { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } وليذكر عالم الوحدة وشهودهم مع الله أولوا الألباب الذين خرجوا من قشر البشرية متوجهين إلى عالم الوجود بل المجذوبون من قشر الوجود المجازي الواصلون بلب الوجود الحقيقي العالمون بإنه إله واحد كقوله:
{ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [محمد: 19] والله أعلم.
{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } [إبراهيم: 1] قال جعفر عهد خصصت به فيه بيان سالف الأمم وأحوالهم ونجاة أمتك عنهم { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } [إبراهيم: 1] من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمة البدعة إلى نور السنة ومن ظلمات النفوس إلى أنوار القلوب، وقال أبو بكر بن طاهر: من ظلمة الظن إلى أنوار الحقيقة، قال أبو جعفر: من ظلمة رؤية العقل إلى نور رؤية العقل.
وفي قوله تعالى:
{ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [إبراهيم: 2] قال الواسطي: الكون كله له، من طلب الكون فاته المكون ومن طلب الحق فوجده سخر له الكون بما فيه.
قوله:
{ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } [إبراهيم: 3] قال أبو علي الجوزجاني: من أحب الدنيا حرم عليه الآخرة، ومن طلب الآخرة حرم عليه طريق النجاة، ومن طلب طريق النجاة حرم عليه رؤية فضل الله، ومن طلب طريق رؤية الفضل حرم عليه الوصول إلى المتفضل.
قوله:
{ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7] سُئل ابن عطاء عن هذه الآية قال: إذا وردت الأشياء إلى مصادرها من غير حضور منك لها تقديم الشكر، وقال الجوزجاني: لئن شكرتم الإسلام لأزيدنكم الإيمان، ولئن شكرتم الإيمان لأزيدنكم الإحسان، ولئن شكرتم الإحسان لأزيدنكم المعرفة، ولئن شكرتم المعرفة لأزيدنكم الوصلة، ولئن شكرتم الوصلة لأزيدنكم الأنس، وقال الحريري: كمال الشكر في مشاهدة العجز عن الشكر.
وروي عن داود عليه السلام قال:
"يا رب كيف أشكرك وشكري لك تجديد نعمة منك عليَّ؟ قال: يا دود الآن شكرتني" ، قال ابن عطاء: لئن شكرتم هدايتي لأزيدنكم خدمتي، ولئن شكرتم خدمتي لأزيدنكم مشاهدتي، ولئن شكرتم مشاهدتي لأزيدنكم ولايتي، ولئن شكرتم ولايتي لأزيدنكم رؤيتي، وعن جعفر الصادق رضي الله عنه قال: إذا سمعت النعمة الشكر تأهبت للمزيد.
قوله:
{ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7] { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [إبراهيم: 8] قال الواسطي: ليس الإيمان يقرب إلى الحق ولا الكفر يبعد عنه، لكن جرى به الأمر في الأزل بالسعادة والشقاوة فظاهر الإيمان والكفر إعلام الحقائق والحقائق القضاء الذي سبق الدهور لا الأزمان.
قوله:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [إبراهيم: 19] قال سهل: خلق الأشياء كلها بقدرته وزينها بعلمه وأحكامها بحكمه، فالناظر من الخلق إلى الخالق يتبين له من الخالق عجائب الخلقة، والناظر من الخلق إلى الخلق يكشف له عن إشارة أنوار حكمته وبدائع متعته.
وقال ابن عطاء: الكلمة الطيبة قوله: لا إله إلا الله على التحقيق، والشجرة الطيبة هي التي تطهر أسرار الموحدين عن دنس الأطماع بالتعبد لله والانقطاع إليه عما سواه، وقال محمد بن علي الباقري: الشجرة الطيبة الإيمان أنبتها الله تعالى وجعل أرضها التوفيق، وسماؤها العناية، وماؤها الرعاية، وأغصانها الكفاية، وأوراقها الولاية، وثمارها الوصلة، وظلها الأنس فأصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها في السماء ثابت بالمريدين عند الجبار، فالأصل يرد الفروع بدوام الإشفاق والمراقبة والفرع يهدي إلى الأصل بالخشية من محل الشهادة والقرب هكذا أبداً قلب المؤمن وفؤاده.
قال أبو سعيد الخراز: وخزائن الله في السماء الغيوب وخزائنه في الأرض القلوب؛ لأن الله تعالى جعل قلب المؤمن بيت خزائنه، ثم أرسل ريحاً فهبت فيه فكنه عن الكفر والشرك والنفاق؛ لأن الله تعالى جعل قلباً ثم أنبت شجرة فأثمرت الرضا والمحبة والصفوة والإخلاص والطاعة وهو قوله:
{ كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } [إبراهيم: 24] وذكر كل شيء من الدنيا إذا لم يكن لها حفظ من الآلاء جف والشجر الذي في قلب المؤمن يجف إذا لم يسقها بماء التوبة ثم بماء الرحمة من فوق فيكون طريّاً شهيّاً ثم يأتيه ثلاثة أشياء:
طريق العبودية في النفس، وطريق المحبة في القلب، وطريق الذكر في السر فخدمة النفس الطاعة، وخدمة القلب النية، وخدمة السر المراقبة على الدوام، ثم يمطر عليها أمطار على النفس مطر الهداية، وعلى اللسان مطر اللطافة، وعلى القلب مطر العظمة، وعلى السر مطر النعمة، وعلى الروح مطر الكرامة، فينبت مطر اللسان الشكر والثناء، ومن مطر النفس الطاعة، ومن مطر القلب الصدق والصفاء، ومن مطر السر الشوق والحياء، ومن مطر الروح الرؤية والبقاء.
قال محمد بن علي: الشجرة الخبيثة اللسان ما لم يقطعها المؤمن بسيوف الخوف فإنها تثمر أبداً الكلمة الخبيثة، وقال بعضهم: الشجرة الخبيثة النفاق وهي التي لا تقر قاراراً حتى تهوي صاحبها في النار.
وقال ابن عطاء: الشجرة الخبيثة الغيبة والبهتان وهما يفتحان على الإنسان باب الكذب والهجاء، وقال جعفر: الشجرة الخبيثة الشهوات وأرضها النفوس وماؤها الأمل وأوراقها الكسل وثمارها المعاصي وغايتها النار.
وقال الواسطي في قوله:
{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [إبراهيم: 27] الإيمان أي: فإن حقيقة مضاد الروح الإيمان وإيمان محبة عن ظلمات الروح وذلك استثناء من استثناء في إيمانه كيف يأمنه العبد وهو لا يخلف المعياد ويثبت الله الذين أمنوا على مقدار المواجيد يكون الخوف والأمن ولم ينزع عن أحدٍ الخوف ولا انقلب منه أحد الخطيئة، وما من أحد يسعى إلا يخاف عقباها أي: عقبى سعيه فمن يثبت بالقول الثابت في الحياة الدنيا تسقط عنه تلك المخاوف وقوله: { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } [إبراهيم: 32] قال الصادق: وسخر لكم السماوات بالأمطار، والأرض بالنبات، والبحر أن يتخذ تنوراً وسحراً.
{ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } [إبراهيم: 33] تدوران عليك وتوصلان إليك منافع السماوات والنبات والزروع وسخر لكم قلب المؤمن لمحبته ومعرفته وخاصة الله من العباد القلوب لا غير؛ لأنها موضع نظره ومستودع أمانته ومعرفة إفاضة أسراره.
قال يحيى بن معاذ في قوله تعالى:
{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم: 34] إن الله أعطاك أكبر ما في خزانته وأجمله وأعظمه أعطاك من غير سؤالك وهو التوحيد فكيف يمنعك ما هو دونها من الثواب والعافية بسؤالك؟! فاجتهد أيها العبد ألا يكون سؤالك إلا منه ولا رغبتك ولا رجوعك إلا إليه فإن الأشياء كلها له فمن شغل بغيره فقد تقطع عليه طريق الحقيقة، ومن شغل منه جعل الأشياء كلها طوع يده فتنقلب الأعيان ويقرب له البعيد ويمشي حيث أحب ويجري كما أراد، وهذا مقام العارفين.
وقال بعضهم في قوله:
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] أي: عد نعمة من نعمه يعجز عن الإحصاء فكيف إذا تتابعت النعم؟! وقيل: أجل النعم استواء الخلقة وإلهام المعرفة والذكر من بين سائر الحيوان ولا يطيق القيام لشكرها أحد، وقيل: إن الإنسان لظلوم لنفسه شيطان، إن شكره يقابل نعمه كفار محجوب عن رؤية الفضل عليه في البداية والتعاقب، وقال سهل: وإن تعدوا نعمة الله بمحمد صلى الله عليه وسلم لا تحصوها بأن جعل السفير فيما بينه وبينكم الأعلى والواسطة الأولى.
وقال ابن عطاء: أجل النعم رؤية معرفة النعم ورؤية التقصير في القيام لشكر النعم، وقال: النعمة أزلية كذلك يجب أن يكون الشكر أزلياً، واعلم أن لك نفساً وقلباً وروحاً فنعمة النفس الطاعة، ونعمة القلب اليقين، ونعمة الأرواح الحكمة، ونعمة المحبة الذكر، ونعمة المعرفة الألفة والنفس في أبحر الطاعات تتنعم والقلب في أبحر النعم، والمعرفة في بحر القربة والعيان يتنعم.
وروي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد في قوله:
{ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً } [إبراهيم: 35] يعني: أفئدة العارفين اجعلهم آمنين من الشرك آمنين من قطيعتك.
وقوله:
{ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } [إبراهيم: 37] قال: أرزقهم شكر ما أوليتهم من معرفتك، { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35] أي: نعبد الهوى.
قال الدنيوري: محاربة الأصنام مختلفة، فمنهم من صمنه نفسه، ومنهم من صنمه ماله، ومنه من صنمه ولده، ومنهم من صنمه أقاربه، ومنهم من صنمه زوجته ومنهم من صنمه ضيعه، ومنهم من صنمه صلات وزكاته وحجه وصيامه، ومنهم من صنمه حاله، والأصنام مختلفة وكل واحد من الخلق مربوط بصنم من هذه الأصنام والتبرؤ هو ألا يرى الإنسان لنفسه خلافاً ولا مالاً لا يعبد من أفعاله شيئاً ولا يسكن من حاله إلى شيء، رافعاً على نفسه باللوم في جميع ما يبدو منها من الخير والشر غير راضيٍ به، وقال جعفر: لا تردني إلى مشاهدة الخلة ولا ترد أولادي إلى مشاهدة النبوة.
وقال ابن عطاء في قوله:
{ وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ } [إبراهيم: 35] قال: إن الله أمر إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة فلما بناها قال: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ } [البقرة: 127] فأوحى الله إليه: "يا إبراهيم أمرتك ببناء البيت وخصصتك من الأنبياء بذلك، ومنت عليك ووفقتك لما وفقتك له، ودفعت عنك النار، فقيل له: ألا تستحي أن تمن عليَّ وتقول: ربنا تقبل منا، فثبتت منتي عليك وذكرت رؤية فعلك ومنتك" فمن أجل ذلك قال: { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35] قال: إن نفسي أشد صنم وشرها إذا تابعت هواها واشتغلت بحظها فاشغلها بك واقطعها عما سواك.
قال الجنيد: وامنعني وبني أن نرى لأنفسنا وسيلة إليك، غير الافتقار، وقال ابن عطاء: الأصنام الخلة والركون إليها وهي خطرات الغفلة وحجاب الخلة، وقال أيضاً: هي النفس لأن لكل نفس صنمها من الهوى إلا من ظهر بأنواع التوفيق.
وقال في قوله تعالى:
{ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [إبراهيم: 36] لما ذهب فمن استبشر رأفة للمؤمنين قيل له: { وَمَن كَفَرَ } [البقرة: 126] قال في قوله: { وَمَنْ عَصَانِي } [إبراهيم: 36] لم يطع ولكن قال: فإن من صفتك الغفران والرحمة وليس على العباد.
وقال في قوله:
{ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ } [إبراهيم: 37] من انقطع عن الخلق بالكلية صرف الله إليه وجوه الخلق وجعل مودته في صدورهم ومحبته في قلوبهم وذلك من دعاء الخليل لما انقطع بأهله عن الخلق والأقارب والأسباب دعاهم فقال: { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ } [إبراهيم: 37].
وقال الخواص في قوله:
{ رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ } [إبراهيم: 38]: ما نُخْفِي من حبك وما نعلن من شكرك، وقال ابن عطاء: ما نخفي من الأحوال وما نعلن من الأدب، قال أبو عثمان: طهر سرك وأعمر باطنك وأصلح خفيات أمورك، فإن الله لا يخفى عليه شيء وهو الذي يعلم ما نخفي وما نعلن.
وقال أحمد بن خضرويه: لو أذن الله لي في الشفاعة ما بدأت إلا بظالمي، قيل له: فيكف؟ قال: لأني قلت بظالمي لم أقله بوالدي، قيل: وما ذلك؟ قال: لعن الله تعالى في قوله:
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ } [إبراهيم: 42] وقال بعض المتقدمين: الظلم على ثلاثة أوجه: ظلم مغفور، وظلم محاسب، وظلم غير مغفور، فالظلم المغفور: ظلم الرجل نفسه، والظلم المحاسب: ظلم أخاه، والظلم الذي لا يغفر: هو الشرك.
قوله تعالى:
{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [إبراهيم: 43] قال ابن عطاء: هذه صفة قلوب أهل الحق ألا ترى أن الهوى قائم بالمشيئة والأرادة غير قائمة بعلائق فوقهما كذلك قلوب أهل الحق متعلقة به لا يقر إلا معه ولا يسكن إلا إليه ليس في قلوبهم محل لغير الله لا يساكن هوى الله ومثل قلوبهم، كما قال الله تعالى: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88] لا يلتفت إلى سواه ولا له قرار مع غير الله.
وفي قوله:
{ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } [إبراهيم: 45] قال أبو عثمان: مجاور الفساق وأهل المعاصي من غير فسق الكافر ومعصيته مستقرة في القلب؛ لأن الله تعالى ذم قوماً من عباده، وقال: { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } [إبراهيم: 45] ولم يعذر من أقام فيها، وقال: { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } [النساء: 97] { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ } [إبراهيم: 52] ذلك لما يظهر من كشف حقائقه من بني آدم من أحبائه وأوليائه؛ لأن الأرض والسماوات لا تصير لما يظهر عن الأبدان من أنوار الحق، وقال جعفر: موعظة الحق وإنذار لهم ليجتنبوا أقران السوء ومجالسة المخالفين، فإن القلوب إذا تعودت مجالسة الأضداد تدنس، وقال بعضهم: كشف للخلق ما يبدو لهم وأمروا به.