التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
١
ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٢
ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٣
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٤
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
٥
-إبراهيم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ الۤر } [إبراهيم: 1] يشير بالألف إلى القسم بآلائه ونعمائه، وباللام إلى لطفه وكرمه، وبالراء إلى القرآن؛ يعني: أقسم آلائي ونعمائي أن صفة لطفي وكرمي اقتضت إنزال القرآن وهو { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } بدلالة القرآن وتعليمه ونوره وخلقه وهداه { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ } وهي ظلمات الخلقية { إِلَى ٱلنُّورِ } وهو نور تجلي صفة الربوبية، وذلك أن الله تعالى خلق عالم الأجساد وجعل زبدته جسم الإنسان حجاباً بالنور صفات روح الإنسان وهي ظلمات الخليقة الإنسانية، وجعل العالمين بظلماتها وأنوارها حجاباً لنور صفة الألوهية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن لله سبعين ألف حجاب من نور الظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره" وما جعل الله لنوع من أنواع الموجودات استعداد الخروج من هذه الحجب إلا للإنسان، ولا يخرج منها أحد إلا بتخريجه إياه منها، واختص المؤمن بهذه الكرامة، كما قال: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257] فجعل القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم من أسباب يخرج المؤمن بهما من حجب الظلمات إلى النور { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: بحوله وقوته لا سبيل له إلى ذلك الآية، وإنما قال ربهم لأنه تعالى هو مربيهم، وما قال بإذن ربك ليعلم أن هذه التربية من الله لا من النبي.
ويشير بقوله: { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } إلى أن العبور على الظلمات الجسمانية والأنوار الروحانية هو الطريق لله، وهو العزيز الذي لا يصل العبد إليه إلا بالخروج عن هذه الحجب، وهو الحميد الذي يستحق من كمالية جماله وجلاله أن يحتجب بحجب العزة والكرامة والعظمة.
وبقوله: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [إبراهيم: 2] يشير إلى أن سير السائرين إلى الله لا ينتهي بالسير في الصفات وهي العزيز الحميد، وإنما ينتهي السير في الذات وهو الله فالمكونات أفعاله، فمن بقي في أفعاله فلا يصل إلى صفاته، فمن بقي في صفاته لا يصل إلى ذاته، ومن وصل إلى ذاته وصولاً بلا اتصال ولا انفصال بل وصولاً بالخروج عن أنانيته إلى هويته تعالى يبقى به في صفاته وأفعاله، ثم قال: { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } هو شدة ألم الانقطاع عن الله والبعد عنه.
ثم وصفهم ليعلم أن الكافر الحقيقي من هو ولا يرضى العبد باسم الانقطاع ولا يقنع بالإيمان التقليدي فقال: { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } [إبراهيم: 3] بالجد والاجتهاد في طلب الدنيا وشهواتها وترك الآخرة بإهمال السعي في طلبها، واحتمال الكفلة والمشقة في مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع في تربية القلب والسير إلى الله { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ويصرفون وجوه الطالبين عن طلب الله، ويقطعون عليهم طريق الحق في صورة النصيحة، ويلزمون الطلاب على ترك الدنيا والعزلة والغربة والانقطاع عن الخلق للتوبة إلى الحق { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي: ويطلبون الآخرة بالاعوجاج عن طريقهما { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي: طلوا عن طريق الحق وبعدوا عنه.
{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [إبراهيم: 4] أي: ليتكلم معهم بلسان عقولهم { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } الطريق إلى الله طريق الخروج عن كلمات أنانيتهم إلى نور هويته { فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ } بأنانيته { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } بالخروج إلى هويته { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي: هو أعز من أن يهدي كل أحد إلى هويته { ٱلْحَكِيمُ } بأن يهدي من هو المستحق للهداية إليه. فمن هنا تحقق أنه تعالى هو الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور وغيره.
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } [إبراهيم: 5] أي: أرسلنا جبريل الجذبة إلى موسى القلب بعصا الذكر واليد البيضاء من الصدق والإخلاص في استعمالها { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } وهم الروح والسر والخفي { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } من ظلمات الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي بالمداومة على الذكر ونفي الوجود المجازي وإتيان الوجود الحقيقي { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } التي كان الله ولم يكن معه شيء لا من أيام الدنيا ولا من أيام الآخرة، وكانوا في مكنون علم الله وهو يحبهم بلا هم ويحبونه { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } التذكير والذكر { لآيَاتٍ } في الخروج عن الوجود المجازي { لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يصير بالله مع الله عن غير الله شكور لنعمة الوجود الحقيقي ببذل الوجود المجازي.