التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً } [الإسراء: 99] يشير بقوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } [الإسراء: 99] إلى عمى بصيرتهم أي: لم يروا، لأنهم لو يردون الله خالق السماوات والأرض؛ ليرونه قادراً على إعادة الأموات وإحيائهم { فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ } [الإسراء: 99] من عماهم إلا الجحود والإنكار.
{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ } [الإسراء: 100] يعني لو أنتم تقدرون على ما أنا قادر عليه من إيجاد الخلق ورزقهم، وإيصال الخير إليهم - وأنت على خشية طبيعة الإنسانية - لبخلتم به وخشيتم نفاذ ما عندي من خوف البشرية { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } [الإسراء: 100] أي: خلق بخيلاً ممسكاً غير منفق إلا يسيراً عند الضرورة.
ثم أخبر عن إنكار الإنسان الآيات والمعجزات بقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [الإسراء: 101] يشير إلى الآيات التي تدل على نبوته فيما يتعلق بنفسه خاصة منها إلقاؤه في اليم، وإخراجه منه، وتربيته في حجر عدوه فرعون، وتحريم المراضع عليه ورده إلى أمه، وإلقاء المحبة عليه، واصطناعه لنفسه، وإيناسه النار من جانب الطور، والنداء من الشجرة { { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } [القصص: 30]، واستماع كلام الله، وقوة حمل الخطاب والجواب، وأعظم الآيات جرأته على طلب الرؤية، وإجابته بالتجلي، وصعقه منه، وإفاقته من الصعقة، وإحلال العقدة من لسانه، وإلقاء النور على وجهه، واشتعال النار قلنسوته عند الغضب، والبد البيضاء وغيرها من الآيات.
{ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ } [الإسراء: 101] يعني: موسى بهذه الآيات هل راؤها واستدلوا بها وآمنوا عليها؟ إلا أهل الحق بمن جعلهم الله أئمة يهتدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } [الإسراء: 101] يعني: لما كان فرعون من أهل الظن لا من أهل اليقين، رآه بنظر الظن الكاذب ساحراً، ورأى الآيات سحراً، قال موسى: { لَقَدْ عَلِمْتَ } [الإسراء: 102] أي: لو نظرت بنظر العقل لعلمت أنه { مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ } [الآيات: 102] يعني: الآيات { إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الإسراء: 102] أي: بلا بصيرة وعقل.
والظن ظنان: ظن كاذب، وظن صادق، وكان ظن فرعون كاذباً، وظن موسى عليه السلام صادقاً { فَأَرَادَ } [الإسراء: 103] فرعون من نتائج ظنه الكاذب { مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } [الإسراء: 103] أي: يخرج موسى وقومه { أَن يَسْتَفِزَّهُم } [الإسراء: 103] ونجينا موسى وقومه من نتائج ظنه الصادق { وَقُلْنَا } [الإسراء: 104] لهم { مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } [الإسراء: 104] يعني: ديارهم ومساكنهم { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [الإسراء: 104] أي: يلف الكافرون بالمؤمنين لعلهم ينجون من العذاب، فيخاطبون بقوله تعالى: { { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [يس: 59] ولا ينفعهم التلفف، بل يقال لهم: { { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7].