التفاسير

< >
عرض

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً
٦
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً
٧
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
٨
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً
٩
إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً
١٠
-الكهف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [الكهف: 6] معناه نهي أي: لا تبخع نفسك كما يقال لعلك تريد أن تفعل كذا أي: لا تفعل كذا.
وفيه معنى آخر { فَلَعَلَّكَ } أي: فكأنك كما قال تعالى في شأن عاد:
{ { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } [الشعراء: 129] أي: كأنك فالمعنى كأنك { بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6] على فوات الإيمان عنهم، وهذا غاية الرحمة والشفقة على الأمة، وكمال القيام بأداء حقوق الرسالة، والإقدام على العبودية فوق الطاقة، وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم أن يبالغ في القيام بأمر ربه إلى حد أن ينهى عنه كما أنه صلى الله عليه وسلم حين أمر بالإنفاق بالغ فيه إلى أن أعطى من دأبه صلى الله عليه وسلم أن يبالغ قميصه وقعد في البيت عرياناً، فنهي عن ذلك بقوله: { { وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } [الإسراء: 29].
وبقوله: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } [الكهف: 7] يشير إلى أن الناسك السالك، والطالب الصادق، والمحب المحق من يحرم على نفسه الدنيا وزينتها حرامها وحلالها وهي ما
{ { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [آل عمران: 14] لأنه مع حب الله لا يسوغ حب الدنيا وشهواتها، بل حب الآخرة ودرجاتها، كما قال تعالى: { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [الكهف: 7] أي: زينا الدنيا وشهواتها للخلف ملائماً لطباعهم وجعلناها محل ابتلاء المحب والسالي { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [الكهف: 7] في تركها ومخالفة هوى نفسه طلباً رضائه، وأيهم أقبح عملاً في الإعراض عن الله وما عنده من الباقيات الصالحات، والإقبال على الدنيا وما فيها من الفانيات الفاسدات وهو معنى قوله: { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } لا حاصل له إلا الندامة والغرامة.
ثم أخبر عن سعادة السيادة الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على المولى بقوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } [الكهف: 9] إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أي: أنك حسبت أن أحوال { أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ } [الكهف: 9] كانت من آيات إحساننا مع العبيد { عَجَباً } [الكهف: 9] فإن في أمتك من هو أعجب حالاً منهم، وذلك أن فيهم أصحاب الخلوات الذين كهفهم الذين يأوون إليه بين الخلوة، ومقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة، فهي محبتي ومحبوبي، وألواح قلوبهم مرقومة بالعلوم الدينية، وإن كان أصحاب الكهف أووا إلى الكهف خوفاً من لقاء دقيانوس وفرار منه أووا إلى كهف الخلوة شوقاً إلى لقائي وفراراً إلي، وإن كان المراد من قولنا: { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } [الكهف: 10] النجاة من شر دقيانوس والخروج من الغار بالسلامة. فرار هؤلاء القوم النجاة من شر نفوسهم، والخروج من ظلمات غار الوجود للوصول إلى أنوار جمالي وجلالي.