التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً
١٠٧
خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً
١٠٨
قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً
١٠٩
قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً
١١٠
-الكهف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن خلاص أهل الإخلاص بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [الكهف: 107] يشير إلى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في الدنيا، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي: على وفق الشريعة وقانون الطريقة إنما فعلوا ذلك؛ لأنهم خلقوا في صفة ومقام واستعداد، { كَانَتْ لَهُمْ } [الكهف: 107] عند النزول من أعلى مراتب القرب والعبور على عالم الأرواح للتعلق بالقالب، { جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ } [الكهف: 107] وهي أحظى شيء من الجنان وأنعم وأعز وألطف { نُزُلاً } [الكهف: 107] ما يتهيأ للنازلين ولعابري السبيل { خَالِدِينَ فِيهَا } [الكهف: 108] أي: خالدين في تلك الصفة والمقام إلى الأبد لا تغير لهم، { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف: 108] أي: لا يبغون التحويل من تلك الصفات التي خلقوا عليها؛ لدناءة الهمة وخسة النفس، بل هم على تلك الصفة ثابتون؛ لعلو الهمة ونفاسة النفس.
{ لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [الكهف: 109] يشير به إلى أن كلمات قديمة غير متناهية مع أنها ألفاظ للعدد فيها محال، وألا يحصى فيها العدد فكيف بإشاراتها وأسرارها ومعانيها ولطائفها وحقائقها؟! فإنها غير محصورة ولا متناهية لكلمة واحدة من كلماته.
وبقوله: { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [الكهف: 110] يشير إلى أن بني آدم في البشرية واستعداد الإنسانية سواء النبي والولي والمؤمن والكافر، والفرق بينهم بفضيلة الإيمان والولاية والنبوة والوحي والمعرفة بأن إله العالمين إله واحد،
{ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3-4] فالمعرفة الحقيقية ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج عند حصور الوصول في التقاء اللقاء في معنى: { { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [النجم: 10] { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } [الكهف: 110] بالوصول والوصال، { عَمَلاً صَالِحاً } [الكهف: 110] والعمل الصالح متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، والتسنن بسنته ظاهراً وباطناً:
* فأمَّا سنته ظاهراً: بترك الدنيا واختيار الفقر ودوام العبودية.
* وأما سنته باطناً: فالتبتل إلى الله تبتيلا وقطع النظر عمَّا سواه كما فعل،
{ { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم: 16-17] وهذا تحقيق قوله: { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } [الكهف: 110] أي: ما أشرك في طلب اللقاء شيئاً من الدنيا والآخرة، ولهذا { { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [النجم: 18] وبلغ المقصد الأعلى، وكان { { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9].