التفاسير

< >
عرض

فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
١١
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً
١٢
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
١٣
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً
١٤
هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
١٥
-الكهف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } [الكهف: 11] يشير إلى سد آذان ظاهر أصحاب الخلوة وآذان باطنهم؛ لئلا يقرع مسامعهم كلام الخلق فتنتقش ألواح قلوبهم به، وكذلك تنعزل جميع حواسهم عن نفس قلوبهم، ثم أنهم يمحون النقوش السابقة عن القلوب بملازمة استعمال الكلمة الطبيعية وهي كلمة لا إله إلا الله حتى يصفو قلوبهم بنفي لا إله عما سوى الله بإثبات إلا الله تتنور قلوبهم بنور الله، وينتقش بنقوش العلوم الدينية إلى أن يتجلى الله تبارك وتعالى لقلوبهم بذاته وجميع صفاته؛ ليفنيهم الله عنهم ويبقيهم به وهو سر قوله: { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } [الكهف: 12] أي: أحييناهم بنا { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } [الكهف: 12] أي: حزب أصحاب الكهف وحزب أصحاب الخلوة { أَحْصَىٰ } [الكهف: 12] أي: أحصى وأصوب { لِمَا لَبِثُواْ } [الكهف: 12] في كهفهم وتعيينهم وبينت خلوتهم { أَمَداً } [الكهف: 12] غاية لبثهم.
ثم أخبر عن حقيقة أحوالهم وما لهم في حالهم ومآلهم بقوله تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } [الكهف: 13] يشير إلى أن القصاص كثير يقصون بالباطل ويزيدون وينقصون ويغيرونها، ويقص كل أحد برأيه وموافقاً لطبعه وهواه وما يقص بالحق إلا الله تعالى.
ثم أخبر عنهم فقال: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } [الكهف: 13] سماهم باسم الفتوة؛ لأنهم آمنوا بالتحقيق لا بالتقليد، وطلبوا الهداية من الله إلى الله بالله، ولكنهم طلبوا الهداية في البداية بحسب نظرهم وقدر همتهم، فالله تعالى على قضية
"من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً" وفي هداهم فضلاً منه وكرماً، كما قال: { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [الكهف: 13] أي: زدنا على متمناهم في الهداية، فإنهم يكادون يتمنون أن يهديهم الله إلى الإيمان بالله، وبما جاء به الأنبياء - عليهم السلام - بالبعث والنشور إيماناً بالغيب فزادهم الله تعالى على متمناهم في الهداية حين بعثهم من رقدتهم بعد ثلاثمائة وتسع سنين، وما تغيرت أحوالهم وما بليت ثيابهم، فصار الإيمان إيقاناً، والغيب عيناً وعياناً.
ثم قال: { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [الكهف: 14] يعني: لكيلا يلتفتوا إلى الدنيا وزخارفها وينقطعوا إلى الله بالكلية، وكذلك ما اختاروا بعد البعث الحياة في الدنيا ورجعوا في أن ترجعوا إلى جوار الحق، وأيضاً وبعد على قلوبهم المحبة والشوق إلى لقاء الله، وأيضاً ربط على قلوبهم نور المعرفة حتى أخبروا عن ذلك.
{ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } [الكهف: 14] أي: بعد أن ربط الله تعالى على قلوبنا نور المعرفة بفضله وكرمه حتى تقينا وحدانيته لو دهونا معه غيره فقد قلنا إذا كذباً وزوراً باطلاً بعد الصدق والحق واليقين، ثم قالوا: { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } [الكهف: 15] من الهوى والدنيا وشهواتها وغير ذلك من الأصنام بجهالتهم وضلالتهم وعدم هدايتهم ومعرفتهم، وإنما قالوا: أي: كنا من جملتهم وبالضلالة في زمرتهم فأنعم الله علينا بالهداية والمعرفة وفرق بيننا وبينهم بالرعاية والعناية.
{ لَّوْلاَ يَأْتُونَ } [الكهف: 15] من اتخذ من دونه آلهة { عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } [الكهف: 15] بأنه تعالى محتاج إلى شريك في الملك، وبه يشير إلى أنه من أعظم عذاباً منهم؛ لأن الظلم موجب للعذاب، فيكون أعظم العذاب للأظلم.