التفاسير

< >
عرض

وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً
٨٣
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً
٨٤
فَأَتْبَعَ سَبَباً
٨٥
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً
٨٧
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً
٨٨
-الكهف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن السؤال وجوابه بالفضل والنوال بقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } [الكهف: 83] إن السائل لا يرد وأن في القصص للقلوب عبرة وتقوية وتبيناً.
وبقوله: { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } [الكهف: 84] يشير إلى تمكين الخلافة أي: مكناه بخلافتنا في الأرض { وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } [الكهف: 84] أي: أعطيناه بالخلافة ما كان سبب وجود كل مقدور من مقدوراتنا بالأصالة حتى صار قادراً على قلب الأعيان، وكانت الدنيا مسخرة له فلو أراد طويت له الأرض، وإذا شاء مشى على الباب وإذا أحب طار في الهواء أو يدخل النار.
{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } [الكهف: 85] أي: سبب كل مقدور فصار مقدوراً له بالخلافة في الأرض ما كان مقدوراً لنا بالأصالة في السماء والأرض.
{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } [الكهف: 86] فإن قال قائل: إنا قد علمنا أن الشمس في السماء الرابعة ولها فلك خاص يدور بها في السماء، فكيف يكون غروبها في عين حمئة؟
قلنا: إن الله تعالى لم يخبر عن حقيقة غروبها في عين حمئة، وإنما أخبر عن وجودان ذي القرنين غروبها فيها، فقال: وجدها تغرب في عين حمئة، وذلك أن ذا القرنين ركب بحر المغرب وأجرى مركبه إلى أن يبلغ في البحر موضعاً لم يتمكن جريان المراكب فيه فنظر إلى الشمس عند غروبها وجدها تغرب بنظره في عين حمئة.
وقوله تعالى: { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } [الكهف: 86] يدل على أن ذا القرنين كان نبياً؛ لأنه أمر بالقتال معهم بقوله: { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } [الكهف: 86] وأمر باتخاذ الإيمان منهم بقوله: { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } [الكهف: 86] والنبوة مبنية على هذين الأمرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ويدل على نبوته أيضاً قوله تعالى: { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ } [الكهف: 87] أو كفر ولا يقبل الإيمان منه { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } [الكهف: 87] أي: نقلته { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } [الكهف: 87] أي: عذاباً مخلداً لا يعرف آخره إلى الأبد.
{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } [الكهف: 88] أي: الجنة والقربة في الآخرة { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } [الكهف: 88] أي: قولاً لا يهتدي به إلى الله باليسر والسهولة.