التفاسير

< >
عرض

وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً
٥٢
وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً
٥٣
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً
٥٤
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
٥٥
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً
٥٦
وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً
٥٧
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً
٥٨
-مريم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله تعالى: { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } [مريم: 52] يشير إلى أنا سمعنا موسى القلب من جانب طور الروح، فإن طور الروح على جانب أيمن موسى القلب، ووادي النفس على أيسره { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [مريم: 52] بجذبات العناية إلى أعلى درجات طور الروح، ويشير بقوله: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } [مريم: 53] إلى أن النبوة ليست كسبية، بل هي من مواهب الحق تعالى يهب لمن يشاء النبوة، ويهب لمن يشاء الرسالة من رحمته وفضله لا من كسبهم واجتهادهم على أن يكون توفيق الكسب والاجتهاد أيضاً من مواهب الحق تعالى، وفيه إشارة إلى أن لموسى عليه السلام اختصاصاً بالقربة والقبول عند الله عز وجل حتى يهب أخاه هارون النبوة والرسالة بشفاعته، والعجب أن الله تعالى يهب النبوة والرسالة بشفاعة موسى عليه السلام وأنه يهب الأنبياء والرسل بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: "الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم عليه السلام" .
ثم أخبر عن الصادق في وعده والصديق من بعده بقوله: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ } [مريم: 54] إلى قوله: { مَكَاناً عَلِيّاً } [مريم: 57] الإشارة: إن بالألوهية يشير إلى الربوبية. { وَٱذْكُرْ } ذكراً أزلياً { فِي ٱلْكِتَابِ } أي: في كتاب العلم الأزلي { إِسْمَاعِيلَ } إنه كان في علم الله بتقديره { صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } [مريم: 54] فيما وعد الله بأداء العبودية { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } [مريم: 54] أي: وكان مستعداً للنبوة والرسالة.
وبقوله: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } [مريم: 55] يشير إلى أن استعداده المقدر الأزلي اقتضى أن يأمر أهله الخاص والعام؛ أمَّا الخاص: فالجسم والنفس والقلب والروح بالصلاة؛ أي: يتوجه كل واحد منهم توجهاً يليق بحاله { وَٱلزَّكَـاةِ } [مريم: 55] أي: بتزكية كل واحد منهم عن أخلاق ذميمة وأوصاف ردية، وأمّا العام: فأهله وأمته وقومه يأمرهم بالصلاة الجسمانية والمعنوية وكذا الزكاة { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ } [مريم: 55] في الأزل { مَرْضِيّاً } [مريم: 55] في الأعمال والأحوال.
ثم قال: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ } [مريم: 56] أي: كما ذكرت إسماعيل { إِنَّهُ كَانَ } [مريم: 56] في العلم القديم { صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } [مريم: 56] أي: مستعداً لكمال الصدق والنبوة { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [مريم: 57] في التقدير الأزلي والمكان العلي ما يكون فوق المكونات عند المكون
{ { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55].
ثم أخبر عن أهل الإنعام من الخواص بقوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } [مريم: 58] إلى قوله: { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [مريم: 60]، قوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } [مريم: 58] من النبيين؛ يعني: الذين ذكرناهم والذين ما ذكرناهم من الأنبياء { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [مريم: 58] من الأولياء والمؤمنين { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ } [مريم: 58] يعني: من الأولياء والمؤمنين { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ } [مريم: 58] للهداية إلى حضرتنا من الأولياء خواص المؤمنين { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } [مريم: 58] آياتنا؛ أي: من نتائج الهداية إلى الحضرة والاجتباء إياهم؛ أي: إذا تتلى عليهم آياتنا { خَرُّواْ } [مريم: 58] بقلوبهم على عتبة العبودية { سُجَّداً } [مريم: 58] بالتسليم للأحكام الأزلية { وَبُكِيّاً } [مريم: 58] بكاء السمع بذوبان الوجود على نار الشوق والمحبة.