التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر عن أهل الريب أنهم بمعزل من إطلاع الغيب بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ} [مريم: 77] إلى قوله: {عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً} [مريم: 78] {أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} [مريم: 77] يشير إلى: من كفر ستر الحق، وأنكر على أهل الصدق من أرباب الطلب وأصحاب الحقائق الذين أنعم الله عليهم بالكشوف والعلوم اللدنية، وهم يتكلمون بها، فالمنكر يعترض عليهم وعلى أقوالهم وأحوالهم، ويقول: إنكم أعرضتم عن الكسب، واعتمدتم على أموال الناس وصدقاتهم، واعتزلتم النساء، وحرمتم عن الأولاد والأموال وأنا أعبد الله، كما تعبدونه {وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [مريم: 77] ونجاة في الآخرة فقال الله في جوابه: {أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ} [مريم: 78] أي أعلم الغيب بأن يكون له في الدنيا المال والولد، وفي الآخرة النجاة {أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً} [مريم: 78] في الميثاق أن يكون له المال والولد والنجاة {كَلاَّ} [مريم: 79] أي: لم يكن له ذلك {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} [مريم: 79] أي: سنكتب عليه ما يدل عليه ونؤاخذه به {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً} [مريم: 79] وهو عذاب البعد والهجران {وَنَرِثُهُ} [مريم: 80] يعني: هو على قراءة من يقرأ بالياء {مَا يَقُولُ} [مريم: 80] أي: وبال ما يقول بالاستهزاء والإنكار {وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم: 80] ما يكون معه ما ينجيه من العذاب، وذلك بأنهم آلهة {وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً} [مريم: 81] من الهوى والدنيا والأهل والمال والولد {لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً} [مريم: 81] أي: ليكون لهم منهم عزة {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} [مريم: 82] حين لا ينفعهم الإيمان {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [مريم: 82] أي يكون الذين يعبدونهم من دون الله {عَلَيْهِمْ ضِدّاً} أي: ضد ما يتمنون من العزة وهو الهوان والذلة، وبقوله: {تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم: 83] يشير إلى: شياطين الإنس منهم فيأخذهم لأنهم يهيجون الفتنة على كافري النقمة ومنكري الكرامة، ويعاونونهم على إنكار أهل الأقدار، ويوافقونهم في إيذائهم والطعن فيهم، نظيره قوله: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112].
ثم قال: تهديداً لهم وتسلية لأرباب القلوب. {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} [مريم: 84] بالجزاء والمكافآت {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ} [مريم: 84] أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم وأنفاسهم وخواطرهم {عَدّاً} [مريم: 84] لا سهو فيه ولا غلط فيجازيهم بها.