التفاسير

< >
عرض

قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ
٤٥
قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ
٤٦
فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ
٤٧
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
٤٨
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ
٤٩
قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ
٥٠
قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ
٥١
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى
٥٢
-طه

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

والدليل على هذا التأويل قوله تعالى: { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } [طه: 45] إلى قوله: { وَلاَ يَنسَى } [طه: 52] قوله: { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ } [طه: 45] يشير: أن الخوف مركوز في جبلة الإنسان حتى لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة، فإنه لا يخرج من جبلته كما قال: { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } [طه: 45] يعني: بأن يقتلنا: ولكن الخوف ليس بجهة القتل، وإنما تخاف فوات عبوديتك بالقيام لأداء الرسالة والتبليغ، كما أمرتنا إذ بتمرده وبجهله ولا ينقاد لأوامرك أو يسبك، ويقول: { { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24].
وبقوله تعالى: { قَالَ لاَ تَخَافَآ } [طه: 46] يشير إلى أن الخوف إنما يزيل عن جبلة الإنسانية بخطابي إليه بأمر التكوين كما قال:
{ { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69] فكانت بتكوين الله إياها برداً وسلاماً { إِنَّنِي مَعَكُمَآ } [طه: 46] بالنظرة والحفظ في الأزل؛ إذ كنت أقدر نصركما، وهلاكه على أيديكما { أَسْمَعُ } [طه: 46] هذه مقالتكما قبل وجودكما { وَأَرَىٰ } [طه: 46] أحوالكما وأحواله قبل أن أخلقكما بهذه الصفات.
{ فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } [طه: 47] أعلم أن فائدة إتيانهما رسالتهما إلى فرعون وتبليغه كانت عائدة إلى موسى وهارون نفسهما لا إلى فرعون في علم الله عز وجل، فالحكمة في إرسالهما: أن يكونا رسولين من ربهما مبلغين منذرين؛ ليتحقق رسالتهما، وينكر فرعون ويكفر بهما؛ ليتحقق كفره،
{ { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42] { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } [طه: 47] وهي اليد البيضاء بها يشير إلى يد صافية فارغة من الدنيا والآخرة { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } [طه: 47] أي: سلم من استسلم، وابتع هدى الله وهي ما جاء به الأنبياء عليهم السلام.
{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ } [طه: 48] ضد السلامة { ٰ مَن كَذَّبَ } [طه: 48] أي: كذب وكفر بما جاء به الأنبياء { وَتَوَلَّىٰ } [طه: 48] أي: أعرض عن الله بمتابعة الهوى { قَالَ } [طه: 49] فرعون { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } [طه: 49] واختص موسى بالذكر دون هارون مع أن الخطاب كان معهما؛ لأن صاحب الآيات كان موسى وكانت الرسالة له بالأصالة ولهارون بالوزارة بالتبعية.
{ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ } [طه: 50] أعطى كل شيء استعداد لما خلق له { ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50] أي: يسره لما خلق له والذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:
"اعملوا كل ميسر لما خلق له" معناه: أن الله تعالى خلق المؤمن مستعداً لقبول فيض الإيمان، ثم هداه إلى قبول دعوة الأنبياء ومتابعتهم، وخلق الكافر لقبول فيض القهر والخذلان والتمرد على الأنبياء مخالفتهم.
{ قَالَ } [طه: 51] يعني: فرعون { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } [طه: 51] يعنيك المتقدمين الذين لم يقبلوا دعوة الأنبياء فألفوهم { قَالَ } [طه: 52] أي موسى. { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } [طه: 52] يعني: علم كل واحد من القرون أنه تعالى لماذا خلقه مستعداً لقبول الإيمان، ولقبول الكفر ثابت في أم الكتاب عنده { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } [طه: 52] عن الكتاب وعلمه { وَلاَ يَنسَى } [طه: 52].