التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ
٧٧
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ
٧٨
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ
٧٩
يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ
٨٠
كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ
٨١
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ
٨٢
-طه

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن خلاص أهل الإخلاص بقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } [طه: 77] يشير إلى أن موسى القلب والأخلاق الحميدة إذ أيدناه بالتأييد الإلهي بالأدب الرباني أن أسر بعبادي السر هو روح القلب والأخلاق الحميدة وهي صفات القلب؛ أي: سرت بهم من بر البشرية إلى بحر الروحانية { فَٱضْرِبْ لَهُمْ } [طه: 77] بعصا الذكر لا إله إلا الله { طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ } [طه: 77] بحر الروحانية { يَبَساً } [طه: 77] من ماء الهوى وطين صفات الحيوانية { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [طه: 77].
وبقوله تعالى: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } [طه: 78] يشير إلى أن موسى القلب كلما توجه إلى بحر الروحانية يتبعه فرعون النفس مع جنود صفاته الذميمة النفسانية، كما أن النفس كلما توجهن بالخذلان إلى مراتع الحيوانية السفلية يتبعها القلب مع جنوده، وهي الصفات الحميدة الروحانية، فلمَّا دخل موسى القلب وجنوده في بحر الروحانية، وبلغوا ساحل البحر وهو سرادقات العزة وحظائر القدس، ودخل فرعون النفس وجنوده في بحر الروحانية { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [طه: 78] من سطوات الروحانية وتموج بحرها بهبوب رياح العناية. { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ } [طه: 79] النفس { قَوْمَهُ } [طه: 79] أي: صفاته في بحر بهبوب رياح العناية. { وَمَا هَدَىٰ } [طه: 79] وما وفق غريق للخروج عن هذا البحر، وهذا تحقيق قوله تعالى:
{ { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27-30] وهي مراتب الروحانية، والإشارة بأن النفس هي مركب سلطان، فإذا بلغ السلطان بجنبات العناية إلى سرادقات العزة وأنزل حضرة الدين { { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55] يربط مركب وهو النفس في مراتب الجنان، فإن فيها ما تشتهيه الأنفس فلا عبور لها عنها والمسخرة للوصول والوصال إنما هو سلطان القلب لا مركب النفس، فافهم جيداً.
ثم أخبر عن صفات أهل النجاة بقوله تعالى: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } [طه: 80] يشبه إلى بني إسرائيل صفات القلب والروح { قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } [طه: 80] وهو فرعون النفس { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } [طه: 80] وواعدناكم جوار طور قرب الحضرة { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ } [طه: 80] من صفاتنا، { وَٱلسَّلْوَىٰ } [طه: 80] أخلاقنا.
{ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [طه: 81] أي: اتصفوا بطيبات صفاتنا، وتخلقوا بكرائم أخلاقنا التي شرفناكم بها؛ أي: لو لم تكن العناية الربانية لمَّا نجَّا الروح والقلب وصفاتهما منش ر فرعون النفس وصفاتها، ولولا تأييد الإلهية لمَّا اتصفوا بصفات الله تعالى ولا تخلقوا بأخلاقه.
ثم قال الله تعالى: { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } [طه: 81] أي: إذا استغنيتم بصفاتي وأخلاقي عن صفاتكم وأخلاقكم فلا تطغوا بأن تدَّعوا العبودية، وتدَّعوا الربانية، وتسمُّوا باسمي إن اتصفتم بصفتي كما قال بعضهم: أنا الحق، وقال بعضهم: سبحاني ما أعظم شأني، وما أشبه هذه الأحوال مما يتولد من طبيعة الإنسانية
{ { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7]، وإن طغيان هذه الطائفة بمشاهدة المقامات، وإن كانت من أحوالهما إلا أن الحالات لا تصلح للمقامات وهي موجبة للغضب كما قال تعالى: { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } [طه: 81] أي: بجعل كل معاملاته في العبودية هباءً منثوراً، ولهذا الوعيد أمر الله تعالى عباده في الاستهداء بقوله تعالى: { { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 6-7] أي: اهدنا هداية من أنعمت عليه بتعريفه الطاعة والعبودية، ثم ابتليه بطغيان يحل عليه غضبك، ثم وعد بعد الطغيان بالمغفرة بقوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ } [طه: 82] ورجع من الطغيان بعبادة الرحمن { وَعَمِلَ صَالِحَاً } [طه: 82] بالعبودية لربوبيته { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [طه: 82] أي: تحقق له أن تلك الحضرة منزهة من وسن الحس والخيال، وأن الربوبية قائمة والعبودية دائمة.