التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ
٦٥
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ
٦٦
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٧
قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
٦٨
قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ
٦٩
وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ
٧٠
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
٧١
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ
٧٢
-الأنبياء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله تعالى: { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } [الأنبياء: 65] إذ لم يكونوا موافقين ما نفعهم ما عرفوا من الحق، ثم غيرهم إبراهيم عليه السلام على ذلك { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ } أي: أف لعقولكم { وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الأنبياء: 67] أفلا تستعملون العقل الذي ميزتم به بين الحق والباطل.
وفي قوله تعالى: { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 68] إشارة إلى أن الله تعالى إذا أراد أن يكمل العبد من عباده المخلصين يفديه خلقاً عظيماً، كما أنه تعالى إذا أراد استكمال حوت في البحر يفديه كثيراً من الحيتان الصغار، فلمَّا أراد تخليص إبريزة الخلة من غش البشرية جعل نمرود وقومه مذللةً لإبراهيم عليه السلام حتى أجمعوا بعد أن علموا أنهم ظالمون، فوضعوه في المنجنيق ورموه إلى النار، فانقطع رجاءه عن الخليقة بالكلية متوجهاً إلى الله مسلماً نفسه إليه حتى أن جبريل عليه السلام أدركه في الهوى فامتحنه بقوله: هل لك من حاجة؟ ما كان فيه بقية من الوجود ما تعلق به الحاجة فقال: أمَّا إليك فلا، فقال له جبريل: ربك امتحاناً له خفي سره عن جبريل غيره، فقال: حسبي من سؤال علمه بحال، وما أظهر عليه حاله، فأدركته العناية الأزلية بقوله تعالى على كافة الخلق، بل على جميع الأشياء.
وبقوله تعالى: { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } [الأنبياء: 70] يشير إلى أن إرادة كيدهم به كانت سبباً لتخليصه عن غش البشرية كما قال تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 71] وهي أرض الروحانية وفيه إشارة أخرى؛ أي: ونجينا إبراهيم الروح، ولوط القلب من أرض البشرية وصفاتها إلى الأرض الروحانية التي باركنا فيها للعالمين، وبركة الله أن يتجلى لها، فتشرق لأهل الروحانية، كما قال تعالى:
{ { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } [الزمر: 69] أي: أشرقت أرض الروحانية بنور تجلي صفة الربوبية الربانية.
ثم يشير عن مواهب الربوبية لأرباب العبودية بقوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [الأنبياء: 72] يشير إلى أن الصلاحية من المواهب أيضاً وحصيلة الصلاحية حسن الاستعداد النظري لقبول الفيض الإلهي.