ثم أخبر عن الخصمين المتنازعين بقوله تعالى: {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] فأمَّا اختصام النفس: ففي انقطاعها عن الله تعالى وحرمانها عنه، وأمَّا اختصام الروح مع النفس: ففي انقطاعهما إلى الله ورجوعهما إليه.
{فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} [الحج: 19] من أرباب النفس بانقطاعهم عن الله ودينه بإتباعهم الهوى وطلب الشهوات الدنياوية، ومن أصحاب الروح بإعراضهم عن الله ورد دعوة الأنبياء {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ} [الحج: 19] بتقطيع خياط الفناء على قدهم وهي ثياب نسجت من سدى مخالفات الشرع ولحمة موافقات الطبع.
{يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ} [الحج: 19] أي: حميم الشهوات النفسانية {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} [الحج: 20] أي: يذاب ويخرج ما في قلوبهم من الأخلاق الحميدة الروحانية {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21] أي: الأخلاق الذميمة النفسانية {كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا} [الحج: 22] أي: من نار القطيعة وسعير الشهوات من غم أصابهم من خوف سوء عاقبة أمرهم {أُعِيدُواْ فِيهَا} [الحج: 22] بمقامع الأخلاق الذميمة، واستيلاء الحرص والأمر، وقيل لهم: {وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ} [الحج: 22] أي: عذاب ما أحرقت منكم نار الشهوات من الاستعدادات الحسنة.
ثم أخبر عن حال الروح ومتابعيه من النفوس بالإيمان والأعمال الصالحة، وقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [الحج: 23] أي: يحليهم بحلية الأسرار والحقائق والحكم البالغة، {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] أي: شعارهم ودثارهم الأخلاق الحميدة والصدق في العبودية {وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ} [الحج: 24] وهو الإخلاص في قوله: لا إله إلا الله والعمل به {وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ} [الحج: 24] وهو الطريق إلى الله تعالى، فإن الحميد هو الله تعالى.