التفاسير

< >
عرض

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
٣٩
ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
٤٠
ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ
٤١
-الحج

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن نيل الوصال بالقتال تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [الحج: 39] إشارة إلى أن قتال الكفار بغير إذن الله لا يجوز، ولهذا لمَّا ذكر موسى عليه السلام القبطي الكافر، وقتله قال: هذا من عمل الشيطان؛ لأنه ما كان مأذوناً من الله تعالى في ذلك، وبهذا المعنى يشير إلى أن الصلاح في قتل كافر النفس وجهادها أن يكون بإذن الله تعالى على وفق الشرع، وأوانه وهو بعد البلوغ، فإن قبل البلوغ يحمل المجاهدة باستكمال الشخص الإنساني الذي هو حامل أعباء الشريعة، ولهذا لم يكن مكلفاً قبل البلوغ، وينبغي أن يكون المجاهدة محفوظة عن طرفي التفريط والإفراط، بل يكون على حسب ظلم النفس على القلب باستيلائها عليه فيما يضره من اشتغالها بمخالفة الشريعة وموافقة الطبيعة في استيفاء حظوظها وشهواتها من ملاذ الدنيا، فإن منها يتولد دين مرآة القلب وقسوته واسوداده، وإن ارتضت النفس، وتزكَّت عن زعيم صفاتها، وانقادت للشريعة، وتركت طبيعتها، واطمأنت إلى ذكر الله واستعدت لقبول جذبة: { { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [الفجر: 28] نصان من فرج المجاهدة، ولكن لا يؤمن من مكر الله المودع في مكر النفس بقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج: 39] يشير إلى أن الإنسان لا يقدر على قهر النفس وتزكيتها بالجهاد المعدل إلا بنصر الله.
ثم أخبر عن معنى الظلم ووصف المظلوم الذي مأذون بالجهاد فقال: { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } [الحج: 40] يشير به إلى القلوب التي أخرجها النفوس بالاستيلاء عن مقاماتها بتبديل أخلاقها، وهي اطمئنانها بذكر الله تعالى، فباستتباعها جعلها متصفة بصفاتها، وهي ما أخبر عنها بقوله تعالى:
{ { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [يونس: 7] فللقلوب المظلومة أن يجاهدوا النفس الظالمة المتمردة { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [الحج: 40] أي: ترجع النفوس عن الظلم الذي من شيم النفوس، واستسلمت لأحكام الله تعالى.
وبقوله تعالى: { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } [الحج: 40] يشير به تعالى: لو لم ينصر القلوب على النفوس، ويدافع عن القلوب باستيلاء النفوس { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } [الحج: 40] أركان الشريعة { وَبِيَعٌ } [الحج: 40] آداب الطريقة، وصلوات مقامات الحقيقة، ومساجد القلوب المنورة بنور الله { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ } [الحج: 40] القلوب على النفوس، فإنها من ينصره بقبول الفيض منه، واتفاقه على ما عداه من الأعضاء الرئيسية والحسيسة { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ } [الحج: 40] في النصرة والانتصار { عَزِيزٌ } [الحج: 40] في الانتصار منه.
ثم وصفت القلوب المنصورة بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [الحج: 41] أرض البشرية { أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [الحج: 41] استداموا المواصلات { وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ } [الحج: 41] زكاة الأحوال وهي: أن يكون من يأتي النفس من أنفاسهم مائة وتسعة وتسعون ونصف جزاؤهم، والباقي إيثار على خلق الله في الله مهما كان زكاة الأغنياء من مائتي درهم خمسة للفقراء والباقي لهم { وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [الحج: 41] حفظ الحواس عن مخالفة أحوال أمره، ومراعاة الأنفاس معه إجلالاً لقدره { وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [الحج: 41] ومن وجوه المنكرات الرياء والإعجاب والمساكنة والملاحظة { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } [الحج: 41] أمور المعاملات كلها منهم راجعة إلى الله تعالى في طلبه والوصول به.