التفاسير

< >
عرض

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ
٤٧
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ
٤٨
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٤٩
فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٥٠
وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
٥١
-الحج

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله تعالى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [الحج: 47] يشير إلى: عدم تصديقهم كما قال تعالى: { { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 18] ولو آمنوا لصدقوا، ولو صدقوا لسكنوا عن الاستعجال، وفي قوله تعالى: { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [الحج: 47] إشارة إلى أن الخلف في وعيد الكافرين لا يجوز، كما أن الخلف بالوعد للمؤمنين لا يجوز. ويجوز الخلف في وعيد المؤمنين؛ لأنه سبقت رحمة الله غضبه في حق المؤمنين وعدهم بالمغفرة في قوله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48] وبقوله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } [الزمر: 53] { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج: 47] يشير إلى أن الأيام عنده تتساوى؛ إذ الاستعجال في الأمور، فسواء عنده يوم واحد وألف سنة، ومن لا يجري عليه الزمان وهو يجري الزمان؛ فسواءٌ عليه وجود الزمان وقلة الزمان وكثرة الزمان إذ ليس عنده صباح ولا مساء، وبقوله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [الحج: 48] يشير إلى الإمهال يكون من الله والإهمال لا يكون، فإنه يمهل ولا يهمل، ويدع الظالم في ظلمه حيناً، ويوسع له الحيل ويطيل له المهل، فيتوهم أنه يفلت من قبضة التقدير وذلك ظنه الذي أراد ويأخذه من حيث لا يرتقب فيعلوه ندامة؛ ولات حينه وكيف يستبقى بالحيلة ما في التقدير عدمه وإلى الله مرجعه؟ كما قال الله تعالى: { ثُمَّ أَخَذْتُهَا } [الحج: 48] نذير مبين { وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [الحج: 48].
ثم أخبر أهل الوفاق وأهل النفاق بقوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الحج: 49] يشير إلى أن إنذار النسيان؛ أي: قل لهم يا محمد إني أشابهكم من حيث الصورة لكني أباينكم من حيث السيرة، فأنا لمحسنكم بشير، ولمسيئكم نذير، فقد أثبت بإقامة البراهين على ما جئتكم به من وجوه الأمر بالطاعة والإحسان والنهي عن الفجور والعصيان.
{ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الحج: 50] فالناس في المغفرة أقسام:
* فمنهم: من يستر زلته.
* ومنهم: من يستر عليه الأعمال الصالحة صيانة لهم من الملاحظة.
* ومنهم: من يستر عليه حاله لئلا يصيبه من الشهوة فتنة، وفي معناه قالوا: لا تنكرن جحدي هواك، فإنما ذلك الجحود عليك سترٌ مسبلٌ.
* ومنهم من يستره بين أوليائه في قباب الغيرة كما قال:
"أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري" .
* ومنهم: كن يستر أنانيته بهويته والرزق الكريم ما يكون غير مشوب بالحدوث، بل يكون من الكريم القديم.
وبقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } [الحج: 51] يشير إلى أن من عاند أهله آياته من خواص أوليائه { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } [الحج: 51] جحيم الحقد والعداوة، ورد الولاية، والسقوط عن نظر الله في الدنيا، وجحيم نار جهنم في الآخرة.