التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٥١
وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ
٥٢
فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
٥٣
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ
٥٤
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ
٥٥
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ
٥٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ
٥٨
وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ
٥٩
وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
٦٠
أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
٦١
وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٦٢
-المؤمنون

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } [المؤمنون: 51] يشير إلى أن المأكول إذا كان مما أحل لهم ومما هو محكوم بأنه طيب من لوَث الإسراف والشهوات بأمر الشرع لا بأمر الطبع يكون من نتائجه الأعمال الصالحات { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51] بنياتكم وأحوال معاملاتكم { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [المؤمنون: 52] أي: في الإنسانية على طبيعة واحدة وأمر أمتكم وعللكم في الظلومية والجهولية علة واحدة { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } أي: مربيكم ومعالجتكم بعلاج الشرائع { فَٱتَّقُونِ } أي خافون وأطيعوا أمري في المعالجات بعلاج الشرائع { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً } [المؤمنون: 53] أي: فتفرقوا في قبول المعالجة والتداوي، فمنهم مستقيم على حق المعالجة مقيم على التداوي على وفق علاج طبيبهم، ومنهم تائه في غيِّه مُصرٌّ على ترك المعالجة وعصيان الطبيب، { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي: كل مربوط بحده موقوف على ما قسم له في البداية من نشأته كل ينتحل طريقة ويدعي بحسن طريقه حقيقة وهو فرحان بها، وعند صحو سماء قلوب أرباب التوحيد لا غبار في الطريق وهم على يقين معارفهم فلا ريب ولا شبهة تتعالج، وأهل البدع والأهواء في عمى جهلهم وغبار جحدهم وظلمة تقليدهم وغمرة شكهم.
{ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ } [المؤمنون: 54] من الشك وخذلانهم في الغفلة { حَتَّىٰ حِينٍ } إلى أن تداركهم العناية الأزلية أو إرادتهم القهارية في الهلاك { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [المؤمنون: 55-56] المنجيات { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } أنهم مطرودون عن الحضرة بسياط القهر في صورة اللطف، فرأوه سراباً ظنوه شراباً، وفعلاً في شهودهم صواباً، فتوهموا عذاباً، وحين لقوا عذاباً علموا أنهم لم يفعلوا صواباً.
ثم أخبر عن المؤمنين المشفقين، بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [المؤمنون: 57] يشير إلى إطراق السريرة في حال الوقوف بين يدي الله بشواهد الأدب واستيلاء سلطان الهيبة في الحضور والغيبة { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } أي: بما تكاشف لهم من شواهد الحق والسر والعلانية { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } [المؤمنون: 59] أي: في التوجه إلى حضرته بصدق الطلب لا يلتفتون إلى ما سواه من الدنيا والآخرة ومن أعظم الشرك ملاحظة الخلق في الرد والقبول والفرح بمدحهم والانكسار بذمهم، وأيضاً قصور النظر في المسار والمضار على الأسباب عند انقطاع النظر عن الله في أنه المسبب.
قال الله تعالى:
{ { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [يوسف: 106] يعني: إنهم يتوهمون أن حصول الشفاء من شرب الدواء والشبع من الطعام، فإذا كان الشرب مستكناً يرد اليقين عن توهم شيء من الخذلان إلا من التقدير فحينئذ يتقي من الشرك { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } بهذه الأقدام ومنقطعون عن { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [المؤمنون: 60] أي: هم المتوجهون إلى الله تعالى المعرضون عمن سواه المسارعون بقدم الصدق والسعي الجميل على حسب ما سبقت لهم من الله الحسنة { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } على قدر سبق العناية.
بقوله تعالى: { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [المؤمنون: 62] يشير إلى أنه تعلى جعل نفس الإنسان مستعدة لحمل ما كفلها بحمله كما كلف الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله، وهم قادرون على قولها وأمرهم بقبول دعوة الأنبياء ما بعثهم وما هم بعاجزين عنها وليس هذا من قبيل تكليف ما لا يطاق لأنه أطاقه كثير من الناس { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ } يعني: أم الكتاب { يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } أي: بأنهم قادرون على ذلك { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لما أخذوا بترك ما أمروا وهم قادرون على إتيانه.