التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ
١٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١١
لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ
١٢
لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ
١٣
-النور

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [النور: 10] يشير إلى كمال فضله على عباده بأن أجلهم بالعقوبة إلى الآخرة لعلهم يتوبون في الدنيا فغفر لهم وستر في الدنيا ولم يفضحهم بإظهار صدقهم وكذبهم أجلهم بالعقوبة لدرك التوبة كذلك جعل سنة اللعان باقية بين المسلمين ليكون حكمة باقية بينهم.
ثم أخبر عن عصبة قصة الإفك بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [النور: 11] يشير إلى أنه تعالى لا يجري على عباده إلا ما يكون حقيقة اللطف، وإن كان في صورة القهر تأديباً وتهذيباً لهم وموجباً لرفعة درجاتهم وزيادة في رتبتهم، وأن قصة الإفك وإن كانت في صورة القهر كانت في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي حق عائشة وأبويها وجميع الصحابة صلى الله عليه وسلم ابتلاءً وامتحاناً لهم وتربية وتهذيباً، فإن البلاء للولاء وكاللهب بالذهب، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"إن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "يبتلى الرجل على قدر دينه" فإن الله غيور على قلوب خواص عباده المحبوبين فإذا حصلت مساكنة بعضهم إلى بعض يجري الله تعالى ما يرد كل واحد منهم عن صاحبه ويرده إلى حضرته، "وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة فساكنها وقال: يا عائشة حبك في قلبي كالعقدة" .
وفي بعض الأخبار أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إني أحبك وأحب قربك، فأجرى الله تعالى حديث أهل الإفك حتى ردَّ رسول الله قلبها عنها إلى الله تعالى بالخلال عقد حبها عن قلبه، وردت عائشة - رضي الله عنها - قلبها عنه إلى الله حيث قالت لما ظهرت براءة ساحتها: بحمد الله لا بحمدك فكشف صبابة تلك المحبة وأزال الشك وأظهر براءة ساحتها حين أدبهم وهذبهم وقربهم وزاد في رفع درجاتهم وقرباتهم { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ } من أصحاب الإفك { مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } على حسب سعايتهم وفساد ظنهم وهتك حرمة حرمانيهم { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ } في الخوض ابتداء.
{ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } يؤاخذ بجرمه وهو خسارة الدنيا والآخرة لأنه
"من سن سنة سيئة فله وزرها وزر من عمل بها إلى يوم القيامة" .
وفيه إشارة إلى أخرى وهي أن الطريق إلى الله تعالى طريقان أهل السلامة وطريق أهل الملامة، فطريق أهل السلامة: ينتهي أهل السلامة ينتهي إلى الله تعالى؛ لأن الملامة مفتاح باب حبس الوجود وبها يذوب الوجود ذوبان الثلج بالشمس، فعلى قدر ذوبان الوجود يكون الوصول إلى الله تعالى فأكرم الله تعالى عائشة - رضي الله تعالى عنها - يخرجه من ظلمات وجوده المخلوقة إلى نور القدم.
بقوله تعالى: { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } [النور: 12] يُشير إلى أن شرط الإيمان شرك الاعتراض على حرم النبي صلى الله عليه وسلم وترك بسط اللسان بالسوء إليها وظن الخير في حقها، وأن المؤمنين معاتبون على المبادرة إلى ظن السوء بها، وجعل من أمارات الإيمان أن ينظر إلى هذا القصة بنور الإيمان فيعرفوا بإفك وبهتان وعلموا أنه إفك { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [النور: 13] وبأن يأتوا بالشهادة.