التفاسير

< >
عرض

ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٢٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٢٧
-النور

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن خبيثات المخبثات بقوله تعالى: { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } [النور: 26] يشير إلى خباثة الدنيا وشهواتها أنها للخبيثين من أرباب النفوس المتمردة والخبيثون من أهل الدنيا المطمئنون بها للخبيثات من مستلذات النفس ومشتهيات هواها معناه أنها لا تصلح غلا لهم وأنهم لا يصلحون إلا لها، وأيضاً الخبيثات من الحطام الفانية لذوي الهمم الدنية، وأيضاً الخبيثات من الخبث وهي الحظوظ والمنى لأصحابها والساعين لها والساعون لها غير ممنوعي أحدهما من صاحبه، فالصفة للموصوف ملازمة وأيضاً الخبيثات من النعمات الدنيوية للخبيثين من المنتمين من أهل الدنيا أيضاً الخبيثات من الأهواء والبدع للخبيثين من المبتدعين من أهل الأهواء وأيضاً الخبيثات من الأخلاق الذميمة والأوصاف الردية للخبيثين والموصوفين بها وأيضاً الخبيثات من الملوثات بلوث الحدوث للخبيثين الملوثين بلوث الحدوث.
{ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ } [النور: 26] الطيبات من الأعمال الصالحات للطيبين { وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ } [النور: 26] كقوله تعالى:
{ { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } [هود: 119].
وقال صلى الله عليه وسلم:
"اعملوا فكل ميسر لما خلق له" .
وقال: "خلقت الجنة وخلقت لها أهل وخلقت النار وخلقت لها أهل" أيضاً الطيبات من الأحوال وهي تحقيق المواجيد بما هي حق والحق مجرداً عن الحظوظات النفسانية للطيبين من الرجال وهم الذين سَمَتْ هِمَّتهم عن كلِّ مُبْتَذَلٍ خسيس، ولهم نفوسٌ تسموا إلى المعالي، وهي التجمُّلُ بالتذلل لِمَنْ له العِزَّة، ويهيء الطيبات من الأخلاق الكريمة للطيبين من أرباب القلوب السليم وأيضاً الطيبات المطهرات من لوث الحدوث يتجلى صفات القدم للطيبين الفانين عن لوث الوجود الباقين بطيب الجود.
كما قال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب" { أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ } من لَوث الحدوث { مِمَّا يَقُولُونَ } أهل الوجود في إثبات وجودهم بحسب سرهم { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } يعني: وجودهم المجازي مستور بستر الوجود الحقيقي { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ولهم هذا المقام ولهم رزقهم من كرم الكريم.
وبقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } [النور: 27] يشير إلى ترك الدخول والسكون في البيوت المجازية الفانية من الأجساد غير البيوت الحقيقية التي هي دار القرار { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } [النور: 27] إليها وتطمئنوا بها بل { وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } سلام الوداع للسلم والخلاص منهم { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النور: 27] أي: تتعظون ولا تركنون إلى الدنيا الفانية وشهواتها، وترجعون إلى الوطن الحقيقي الذي حبه من الإيمان.