التفاسير

< >
عرض

سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
١
ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢
ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ
٣
وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤
إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
-النور

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [النور: 1] يُشير إلى أن سورة القرآن كلها منزلة سورة سورة كل سورة مشتملة على معان وأحكام أخرى، وهذه السورة أنزلناها وفرضناها أي: جعلناها فرضاً واجباً قبول ما بينا فيها { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } من براءة الصديقة ابنة الصديق حبيب رب العالمين، { لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النور: 1] تتعظون وتحترزون عن مثل هذا الإفك والبهتان العظيم.
وبقوله تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [النور: 2] يشير إلى أن النفس إذا زنت وزناها بالتسليم لغير الله تسلمت لتصرفات الشيطان والدنيا فنهاها الله تعالى عنه، وإلى الروح إذا زنى وزناه تصرفه في الدنيا وشهواتها فنهاه الله عنها، { فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } [النور: 2] من الجوع وترك الشهوات والمرادات تزكية لهما وتأديباً { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } [النور: 2] يعني: إذا دعيتم محبة الله فابغضوا مخالفي أمره، ولا ترحموا أنفسكم ولا أرواحكم على مخالفة الله فإنهم يظلمون على أنفسهم لجهلهم بحالهم، وإن رحمتك عليهم في ترك تزكيتهم وتأديبهم كترك الوالد علاج ولده المريض شفقة عليه ليهلك، فيلزم من هذه الرحمة أمران مذمومان: أحدهما: الإعراض عن الله بالإقبال على شفقة مخالفيه، والثاني: السعي: في هلاك قاتل نفسه بألا يأخذ على يده ليهلك نفسه فأدبوهما.
{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي: يجازيكم بالخير خيراً وبالشر شراً { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2] به يشير إلى شهود أهل الصحبة يذكر النفس، ويؤدب الروح بمشهد شيخ واصل كامل؛ ليحفظ من طرفي الإفراط ويهديه إلى صراطه المستقيم وهو صراط الله ويسلكه فيه.
وبقوله تعالى: { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } [النور: 3] يُشير إلى ان الحذر من غخوان السوء والحث على مخالطة أهل الصحبة والإخوان في الله، فإن الطبع من التطبع يسرق وإن للناس أشكالاً؛ فكلُّ نظيرٍ مع شكله، وكلُّ يُساكِن شكله، كما قال بعضهم:

عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينِهِ فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ مُقتَدِ

أهلُ الفسادِ الفسادُ يجمعهم وإن تَبَاعَدَ مزارُهم، وأهل السدادِ السدادُ يجمعهم وإن تناءت ديارهم { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: مخالطة إخوان الشر لئلا يؤثر فيهم فساد حالهم وسوء أخلاقهم.
ثم أخبر عن أرباب الغفلات في رمي المحصنات بقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } [النور: 4] يُشير إلى غاية كرم الله ورحمته على عباده بأن يستر عليهم ما أراد بعضهم إظهاره على بعض، ولم يظهر صدق أحدهما أو كذبهما، فلذا أوجب عليهم الحدود وقبول شهادتهم أبداً وسماهم الفاسقين، وليتصف بصفاته الستارية والكريمية والرحيمية فيما يسترون عيوب إخوانهم المؤمنين ولا يتعبون عوراتهم، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم على من يتبع عورات المسلمين فإنه من يتبع عوراتهم يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وقال صلى الله عليه وسلم:
"من ستر عورته ستر الله عليه في الدنيا والآخرة" .
وفي قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 5] إشارة إلى كمال عتابه في حق عباده بانه يقبل توبتهم من ارتكاب الذنوب العظام، وفيه إشارة إلى أن بمجرد التوبة لا يكون مقبولاً إلا بشرط إزالة حاله وإصلاح أعماله وأحواله { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 5] لمن تاب وأصلح حاله.