التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٥٤
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
٥٥
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٥٦
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٥٧
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ
٥٨
قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
٥٩
-النمل

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن المقهورين غير المغفورين بقوله تعالى: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } [النمل: 54] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } [النمل: 54] يشير إلى أن لوط الروح إذ قال لقومه وهم القلب والسر والعقل عند تغيير أحوالهم وتبدل أوصافهم مجاورة النفس واستيلائها عليهم { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } [النمل: 54] وهو كل ما زلت به أقدامهم عن الصراط المستقيم وأمارتها في الظاهر إتيان منهيات الشرع على وفق الطبع وهو النفس وعلامتها حب الدنيا وشهواتها والاحتفاظ بها { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } [النمل: 54] أي: ولكم بصيرة تميزون بها الخير والشر والصلاح من الفساد.
وفي قوله: { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } [النمل: 55] إشارة إلى صرف الاستعداد فيما يبعدهم عن الحق تعالى دون صرفه فيما يقربهم إلى الحق تعالى { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [النمل: 55] وإن تدعوا أن لكم بصيرة تعرفون بها الحق من الباطل { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } وهم القلب المريض بعلة حب الدنيا وانحراف مزاجه عن حب الآخرة، والسر المكدر بكدورة الرياء والنفاق، والعقل المشوب بآفة الوهم والخيال { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } من اتصافهم بصفات النفس { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ } وهم الصفات الروحانية { مِّن قَرْيَتِكُمْ } وهي الشخص الإنساني { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [النمل: 56] من لوث الدنيا وشهواتها.
وبقوله: { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } [النمل: 57] يشير إلى روح نظر الله إليه بنظر العناية { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } وهم قوم القلب والسر والعقل عذاب النفاق بالدنيا ومتابعة الهوى { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } [النمل: 57] وهي النفس الأمارة بالسوء { قَدَّرْنَاهَا } في الأزل أنها { مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [النمل: 57] أي: الباقين في عذاب التعلق بالدنيا ومتابعة الهوى { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم } [النمل: 58] أي على النفس وصفاتها { مَّطَراً } [النمل: 58] وهو حجارة الشهوات الدنيوية.
{ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } [النمل: 58] بترك الشهوات أي صعب عليهم تركها، فإن الفطام عن المألوف شديد وبقوله: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [النمل: 59] يشير إلى أن أمطار مطر الشهوات الدنيوية على النفس وصفاتها هو نعمة من الله مستدعية للحمد والشكر؛ لأن النفس بها قائمة، وبقاء الروح في القالب باستمداده من النفس كاستمداد نور السراج من الزيت وبقوله: { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } يشير إلى قوم أخصهم لعبوديته دون قوم يعبدون الهوى والدنيا وما سوى الله، ومعنى السلام عليهم توجه بالكلية إلى الحضرة مستسلمين للأحكام الأزلية، ثم قال: { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [النمل: 59] به من الدنيا وشهواتها والآخرة ودرجاتها، يا أهل الدنيا ويا أهل الآخرة.