التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
٧٠
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٧١
قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ
٧٢
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٤
وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٧٥
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٧٦
-النمل

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ومنها القلوب السليمة لأنها أنموذج من الجنان، فمن تحقق له أن النفس أنموذج من جهنم فيتحقق له أن يكون لهذا الأنموذج أصل هذا نموذجه قوله: { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [النمل: 70] أي: على من أنكر أمر البعث أنهم لا يؤمنون؛ لأنهم خلقوا لهذا { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [النمل: 70] لأنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله وبقوله: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } [النمل: 71-72] يُشير إلى استعجال منكري البعث في طلب العذاب الموعود لهم من عناية جهلهم بحقائق الأمر وإلا قد ورد لهم أنموذجات العذاب الأكبر وهو العذاب الأدنى من البليات والمحن.
{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } [النمل: 73] فيما يذيقهم العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون إلى الحضرة بالخوف والخشية تاركين الدنيا وزينتها راغبين في الآخرة ودرجاتها { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } أي: أكثر الناس { لاَ يَشْكُرُونَ } لأنهم لا يميزون بين محنهم وصحتهم وعزيز من يعرف الفرق بين ما هو نعمة من الله وفضل له أو محنة ونقمة، وإذا نقاصر على العبد عما فيه صلاحه وعسى أن يكون شيء آخر بالضد ورب شيء يظنه العبد نعمة يشكره عليها ويستديمه وهي محنة له يجب صبره عنها ويجب شكر الله على صرفها عنه وبعكس هذا كم من شيء يظنه الإنسان بخلاف ما هو فيه.
ثم أخبر عن علمه بالخفيات والمخبئات والمغيبات بقوله تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ } [النمل: 74] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } [النمل: 74] يشير إلى الله تعالى أن الله تعالى عند تخمير طينة آدم بيده أربعين صباحاً أودع فيها زبدة خواص عالم الشهادة، وكانت روحه زبدة عالم الغيب فبازدواج روحه وقالبه بتصرف نفخة الخاص ولَّد منها خواص أخرى بها اصطفى آدم على العالمين وذلك حين تقويمه في قبول الفيض الإلهي بلا واسطة، وكان متمكناً فيه هذه الخواص وورثها أولاده منه فصارت هذه الخواص متمكناً في جبلة كل ولد من أولاده فيظهر الله تعالى على كل واحد منهم ما قد قدر له ويكنُّ فيه ما شاء أن يكون مكنوناً فيعلم مكنون صدور جميعهم وعلمهم لا يلبس عليه أحوالهم.
{ وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ } [النمل: 75] من الخواص { فِي ٱلسَّمَآءِ } سماء القلب { وَٱلأَرْضِ } أرض القالب أي باقية متمكنة فيهما { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } أي: كتاب علم الله { مُّبِينٍ } بين ظاهر وهذا يدل على أنه ما غاب عن علمه شيء من المغيبات الموجود منها والمعدوم واستوى في علمه وجودها وعدمها على ما هي به بعد إيجادها فلا تغير في علمه عند تغيرها بالإيجاد فتتغير العلوم ولا يتغير العلم بجميع حالاته على ما هو به وبقوله { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النمل: 76] يشير إلى أنه تعالى أودع في القرآن حقائق ومعاني كثيرة لا توجد في غيره كم الكتب المنزلة ما يحتاج إليه السالك في سلوكه للوصول إلى الحضرة، وبيان ما اختلفت فيه الأمم الماضية من كيفية السلوك وشرح المقامات وكشف المعارف، وذلك لأن كل كتاب كان مشتملاً على شرح مقامات ذلك النبي وبيان كما مرتبته ونهاية قربه، فلما لم يكن لنبي من الأنبياء عليهم السلام مقام في القرب مثل مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ما أودع الله تعالى في كتبهم ما أودع في كتابه من الحقائق والمعاني.