التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٢٩
-القصص

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [القصص: 27] يشير إلى الروح في تبليغ القلب على مقام الخفي يحتاج إلى سيره في مقامات صفاته الثمانية المخصوصة به في خلافة الحق تعالى وهي: الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والبقاء، فإن القلب باتصافه بهذه الصفات وقوة فوائدها يرتقي إلى مقام الخفي { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } [القصص: 27] لأن هذه الاثنين تمام العشرة راجعة إلى خصوصية القلب، وهما المحبة والأنس مع الله وفي تلك الثمانية كما أن القلب في الاتصاف بها كمالية، كذلك للروح في ازدواج القلب من صفاته كمالية، ولهذا ذكر بلفظ الإنكاح وبقوله { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } [القصص: 27] يشير إلى أن تلك الصفتين ليستا مما اختص به فلا يشق عليه بها { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } [القصص: 27] الوافين بالوعد والعهد { قَالَ } [القصص: 28] موسى القلب مع شعيب الروح { ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ } بالتسليم والتسلم { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ } [القصص: 28] في التخلق بأخلاقك الثمانية وفي المحبة والأنس مع الله { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } [القصص: 28] أي: ليس لك علي أن تمنعني به عن مقامك؛ لأنك من خصوصيتك بالخلافة مجبول على هذه الأوصاف الثمانية، وأما المحبة والأنس مع الله صفتان مخصوصتان بالحضرة { { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [الحديد: 21] ولهذا كل إنسان من المؤمن والكافر مجبول على تلك الصفات الثمانية، وليس إلا مؤمن موحد من قوم { { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54] له هاتان الصفتان { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ } في عقد المؤاجرة { وَكِيلٌ } لنا وعليه توكلنا ليوصلنا إلى أقصى مقاصدنا.
ثم أخبر عن قضاء الأجل بصدق في العمل بقوله تعالى: { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } [القصص: 29].
والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } [القصص: 29] يشير إلى موسى القلب أنه لما اتصف بالصفات الثمانية للروح كما مر ذكرها وغلبت عليه محبة الله واستأنس به { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } أي: سار بجميع صفاته متوجهاً إلى مصر حضرة الربوبية { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ } طور الحضرة { نَاراً } وهي نار نور الإلهية: { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } [القصص: 29] يُشير به إلى أن التجريد في الظاهر والتفريد في الباطن، فإن السالك لابد له في السلوك من تجريد الظاهر عن الهل والمال، وخروجه عن الدنيا بالكلية فقد قيل أن الكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ثم من تفريد الباطن عن تعلقات الكونين فبعدما تفرد عن التعلقات يشاهد شواهد التوحيد، فإذا ما تبدو له في صورة شعلة النار كما كان لموسى والكوكب ما كان لإبراهيم عليهما السلام، أكوكب ما أرى يا سعد أم نار تشبها سهلة الخدين معطار، ومن جملتها اللوامع والبروق والطوالع والسواطع والشموس والأقمار إلى أن ينجلي نور الربوبية مع مطلع الألوهية نور ببدور إذا بدا استمكن وشمس طلعت ومن رآها آمن.
وبقوله { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [القصص: 29] يُشير إلى أن أوصاف الإنسانية جامدة من برودة الطبيعة لا تسخن إلا بجذوة نار المحبة بل بنار الجذبة الإلهية.