التفاسير

< >
عرض

قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ
٣٥
فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ
٣٦
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٣٧
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٣٨
وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ
٣٩
-القصص

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } [القصص: 35] به يشير إلى أن القلب وإن كان مترقياً إلى الحضرة الربانية يحتاج إلى العقل المشدد عضده به ليكون كامل الاستعداد في قبول الفيض الإلهي، ويكونا مؤيدين بالتأييد الإلهي، ولهما سلطان على غيرهما، ولا يصل إليهما سلطان الأغيار وتكون الغلبة لهما ولمتابعيهما وذلك قوله { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [القصص: 35].
ثم أخبر عن إنكار الأسرار على الأخيار بقوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ } [القصص: 36] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ } [القصص: 36] يشير إلى أن موسى القلب وإن بلغ مقامات القرب الرباني وصار كالمرآة المصقولة المتجاذبة للشمس قابلة لانعكاس أنوار الشمس، فتظهر آياتها البينات فإن فرعون النفس وملأ صفاته يرونها سحراً مفتر كما { قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } [القصص: 36] لأن النفس خلقت من أسفل عالم الملكوت متنكسة، والقلب خلق من وسط الملكوت متوجهاً إلى الحضرة فما كذب الفؤاد ما رأى، وما صدقت النفس ما رأت، فيرى القلب إذا كان سليماً أن من الأمراض والعلل الحق حقاً والباطل باطلاً والنفس يرى الحق باطلاً والباطل حقاً ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
"اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه" .
وكان صلى الله عليه وسلم في ذلك سلامة القلب عن الأمراض والعلل وهلاك النفس وقمع هواها وكسر سلطانها وبقوله { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } [القصص: 36] الذي تدعونا إليه يعني من التوحيد { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [القصص: 36] يشير إلى طبائع الكواكب السبعة فإنها آباء النفس وأساسها العناصر الأربعة، والطبائع مكنوسة إلى عالم السفل متوجهة إلى التفرقة متباعدة عن التوحيد فلا تسمع متولداتها عن التوحيد بل تسمعها عن شرك الشركاء بحسب نظرها في رؤية الوسائط وتقيدها بها.
{ وَقَالَ مُوسَىٰ } [القصص: 37] القلب بعد إنكار فرعون النفس وتكذيبها إياه { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } [القصص: 37] أنه صادق فيما جاء به متوكلاً على الله فيما يجري على فرعون النفس من الإنكار حكمة منه تلسيماً لأحكامه طالباً لرضا لحق تعالى لا هارباً من سخط الخلق قال قائلهم:

فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضَى وَالأَنامُ غِضابُ
وضلَيتَ الَّذي بَيني وَبَيْنَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

وبقوله: { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } يُشير إلى أن الواجب على كل نفس السعي في نجاتها ولو هلك غيرها لا يضرها فإنها متحققة في { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } وقد قال تعالى: { { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [المائدة: 26]، وبقوله: { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، يشير إلى أن استعداد فطرة الإنسان الذي في أحسن تقويم إذا فسد تصير معرفته نكرة وإقراره بالعبودية يستدل به بالألوهية، ويسعى بعد إثبات الإله في نفسه حتى يقول لوزيره وهو هامان الشيطان، كما قال تعالى: { { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36] { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ } بنفخ الوساوس والغرور { عَلَى ٱلطِّينِ } طينة البشرية { فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً } [القصص: 38] من الشبهات المخيلة الموهومة { لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } هل له وجود أم لا { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ } [القصص: 38] أي: مع أني أتيقن أنه { مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [القصص: 38] في ادعاء إله غيري.
{ وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ } [القصص: 39] أي: فرعون النفس وصفاتها { فِي ٱلأَرْضِ } أرض الإنسانية { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي: بغير أمر الحق، { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } [القصص: 39] طائعين أو كارهين كسائر الموجودات، ولم يعلموا أن الرجوع إلى الحضرة من خصوصية الإنسان طوعاً أو كرهاً، كما قال تعالى:
{ { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [العلق: 8]، وقال: { { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [الفجر: 28].