التفاسير

< >
عرض

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ
٦
وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٧
فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ
٨
وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٠
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١١
-القصص

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 6] أرض الإنسانية { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ } [القصص: 6] النفس { وَهَامَانَ } الهوى { وَجُنُودَهُمَا } من الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية { مِنْهُمْ } يعني: من موسى القلب وبني إسرائيل صفاته { مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } [القصص: 6] من الهلاك { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } [القصص: 7] أي: إلى السر فإنه أم موسى القلب لأنه تولد من أزواج الروح والسر { أَنْ أَرْضِعِيهِ } [القصص: 7] من لبن الروحانية فإنه إذا أذاق طعم الروحانية حرم الله عليه المراضع الحيوانية الدنياوية { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } [القصص: 7] من أعدائه: { فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ } [القصص: 7] الدنيا مع تابوت القالب { وَلاَ تَخَافِي } عن هلاكه من عدم فإنا نربيه في حجر عدوه فرعون النفس { وَلاَ تَحْزَنِيۤ } [القصص: 7] على مفارقته { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [القصص: 7] أي: مقام السر ونخلصه عن فرعون نفسه، { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [القصص: 7] يعني: من القلوب المحدثين حتى يكون كليم الله يحدثه ربه وهو محدث ربه، كما قال بعضهم: حدثني قلبي عن ربي.
{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ } [القصص: 8] وهم صفات النفس وقوة البشرية من المتغذية والماسكة والهاضمة والذائقة وأمثالها، فإنها أسباب تربية طفل صورة معدن القلب { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } أي: عاقبة أمره أن يصير لهم عدو فيجازيهم ومعادنهم بطريق الرياضات والمجاهدات ومخالفات الهوى، ويجزيهم بترك الشهوات واستيفاء اللذات، وإن يدعوهم إلى طاعة الله وعبوديته وإلى ما لم يلائم طباعهم { إِنَّ فِرْعَوْنَ } النفس { وَهَامَانَ } الهوى { وَجُنُودَهُمَا } من الصفات الذميمة الحيوانية { كَانُواْ خَاطِئِينَ } عاصين لله طبعاً.
{ وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ } [القصص: 9] النفس وهي الجثة { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } [القصص: 9] يعني موسى القلب { لاَ تَقْتُلُوهُ } بسيف الشهوات الحيوانية { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا } [القصص: 9] بأن ينجينا من النار { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } فكما كان اعتقاد الجثة في تربية موسى القلب كان قرة عينها وقد نفعها بالنجاة ورفع الدرجات ولما لم يكن لفرعون النفس في حقه هذا الاعتقاد بل كان متوقع الهلاك منه كان هلاكه بيده بسيف الصدق وسم الذكر { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [القصص: 9] أنه لو لم يوفق لإهلاكهم لكان هلاكه على أيديهم ولما كان القرآن هادياً يهدي إلى الرشد والرشد في تصفية القلب وتوجهه إلى الله تعالى وتزكية النفي ونهيها عن هواها وكانت قصة موسى عليه السلام تلائم وفرعون أحوال القلب والنفس فإن موسى القلب بعصا الذكر غلب على فرعون النفس وجنوده مع كثرتهم وانفراده قد كرر الحق سبحانه في القرآن ذكر قصتهما تفخيماً لعظم الشأن ثم زيادة في البيان لبلاغه القرآن ثم إفادة لزوائد من المذكور قبله في موضع يكرره ثم أخبر عن أن موسى وفراغ فؤادها بقوله { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } [القصص: 10] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } [القصص: 10] يشير إلى أن لوحي الحق تعالى وإلهامه تأثيراً في قلب كل من أوحى إليه بالسكينة والفراغ والاطمئنان بنور الوحي لما يوحي به إليه وتصديقاً به وبقوله: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } [القصص: 10] يشير إلى أنها لو لم يوح إليها تسكيناً لقلبها لكادت أن تجزع لابنها ولتبدي من ضعف البشرية بموسى أنه ابنها دليله قوله: { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } [القصص: 10] يعني بتأثير الإيحاء إليها { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [القصص: 10] بما وعدها الله بقوله: { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [القصص: 7] وفيه إشارة إلى أن الإيمان من مواهب الحق بأن يربط على القلب ليؤمنوا كما قال تعالى:
{ { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة: 22] وفي الآية إشارة أخرى بقوله: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ } [القصص: 10] وهو سر السر { فَارِغاً } [القصص: 10] من هم موسى القلب لما وقع بيد فرعون النفس وآله أي: صفاته وآسية القالب أنه لم يقع في بحر الدنيا، فإن آسية القالب تنجيه لأن قرة عين لها، وباستوائه يقوم القالب بإصلاح حاله، وإن كان فرعون النفس على استرداد موسى القلب إلى أمه يعني: السر فإنه أرضع بلبان السر وهو النوادر الروحانية يوحي الحق حين قال لأمه { أَنْ أَرْضِعِيهِ } [القصص: 7] فلا يقبل ثدي الأجانب، كما قال { { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [البقرة: 60] في عدواً لي { وَلاَ تَخَافِي } أن يقتله فرعون النفس، بل يربيه في حجر.
وبقوله { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } [القصص: 11] يشير إلى أن أم موسى القلب وهي السر قالت لأخت موسى القلب وهو السر أي العقل اتبع أثره حتى آل فرعون النفس { فَبَصُرَتْ } أخته العقل { بِهِ عَن جُنُبٍ } أي: عن بعد { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } إن العقل أخت القلب أرضعا بلبان واحد.