التفاسير

< >
عرض

قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٥٢
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٣
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٥٤
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٥٥
يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ
٥٦
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٥٧
-العنكبوت

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } [العنكبوت: 52] إنما آمنوا بالباطل لأنهم عموا بعين القلب لم يروا الحق والآيات { { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } [الأعراف: 179]، فلم يؤمنوا بها وأبصروا بعين النفس فرأوا الباطل وآمنوا بع وكفروا بالحق، فإن في عمى القلب بصارة النفس وفي عمى النفس بصارة القلب، وفي بصارته سعادة الدارين وفي عماه خسارة الدارين، فالعميان بعيون القلب، والأبصار بعيون النفس { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [العنكبوت: 52].
ثم أخبر عن أمارة خسارتهم بقوله تعالى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [العنكبوت: 53] يشير إلى ظلومية الإنسان وجهوليته بالاستعجال بالعذاب يعني من استعجل بالعذاب ولا يصبر على العاقبة لجعل خلق منه، وهو مركزة في جبلته فكيف يصبر على السراء والضراء لو لم يصبره الله تعالى كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{ { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [النحل: 127]، وبقوله: { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 53] يشير إلى أن الإرادة القديمة بالحكمة سميت لكل مقدور وكائن آجلاً في تعلق القدرة به فلا تقدم له ولا تأخر عن المضروب المسمى، وفيه إشارة أخرى أن الاستعجال في طلب العذاب في غير وقته المقدر لا ينفع وهو مذموم كيف ينفع الاستعجال في طلب مرادات النفس وشهواتها في غير أوانها وكيف لم يكن مذموماً { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ } ما استعجلوا به في وقت المقدر: { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } لأن لهم فيه خيراً أو شراً.
وبقوله: { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [العنكبوت: 54] يُشير إلى أن استعجال العذاب لأهل العذاب وهو نفس الكافر واقع لا حاجة إليه بالاستدعاء؛ لأن جهنم الحرص والشره والشهوة والكبر والحسد والغضب والحقد { لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [العنكبوت: 54] أي: بنفس الكافرين أو بالنفوس الكافرة، والآن ينعقد الوقت { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 55] بإحاطة هذه الصفات { مِن فَوْقِهِمْ } الكبر والغضب والحسد والحقد { وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } الحرص والشره والشهوة، ولكنهم بنوم الغفلة قائمون ليس لهم خبر عن رزق العذاب كالنائم لا شعوراً له بما يجري على صورتها؛ لأنه نائم بالصورة فإذا انتبه يجد ذوق ما يجري عليه من العذاب.
كما قال تعالى: { وَيِقُولُ } [العنكبوت: 55] يعني: يوم القيامة { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 55] أي: ذوقوا عذابي ما كنتم الخلق والخالق به، والذي يؤكد هذا التأويل قوله تعالى:
{ { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 14] يعني: في الوقت ولا شعور لهم: { { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } [الانفطار: 16] اليوم، ولكن لا شعور لهم بها فمن تطلع لهم شمس العناية من مشرق القلب فتخرجه من ليل الدين إلى يوم الدين { { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ } [الزمر: 69] بشريته { { بِنُورِ رَبِّهَا } [الزمر: 69] يرى نفس محاطة جهنم أخلاقها، فيحذرون ألمها ويقصد الخروج والخلاص عنها، فتؤذي أهل طلب الخلاص.
{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } صدقوا وعاينوا بأن جهنم العبد محيطة بهم ووجدوا ذوق ألمها وضيق موطنها { إِنَّ أَرْضِي } [العنكبوت: 56] أي: أرض حضرة جلالي وعظمتي { وَاسِعَةٌ } فهاجروا بالخروج عن حبس وجودكم إلى سرادقات هُويتي { فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } [العنكبوت: 56] أي: فإياي فاطلبون، وإلى هويتي فارجعون بالاختيار شوق أو محبة وموتوا عن أوصاف وجودكم بالإرادة قبل أن تموتوا بالكراهة فإن { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [العنكبوت: 57] بالاضطرار الذين اعتادوا منا بالفرار مقيدين بسلاسل التعلقات إلى الدنيا وأربابها مغلولين بأغلال الشهوات فيسجنون بسجن نيران الحسرات
{ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [العنكبوت: 58] بحقيقة الوصول والوصال.