التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر عن إمداده لنصرة عباده بقوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} [آل عمران: 124]، إشارة في تحقيق الآيات: إن نور نبوة النبي صلى الله عليه وسلم يلهم أرواح المؤمنين على الدوام عند مقابلة الشيطان، ومجاهدة النفس، ومكايدة الشيطان والهوى، والركون إلى زخارف الدنيا والميل إليها، {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ} [آل عمران: 124]؛ يعني: الجنود الروحانية الملكوتية التي لا تدركها الحواس لقوله تعالى: { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [التوبة: 26]، فتقوى بها قلوبكم لدفع خوف البشرية ورفع عجز الحيوانية، ويحييها بروح رباني كما قال تعالى: { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [المجادلة: 22].
{بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ} [آل عمران: 125] على مخالفة النفس ونهيها عن هواها {وَتَتَّقُواْ} [آل عمران: 125]، بالله عما سواه {وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ} [آل عمران: 125]؛ أي: يزدكم في الإمداد بالجنود الروحانية وهم {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]، بسوم الربانية.
{وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ} [آل عمران: 126]؛ أي: ما ذكر الله الملائكة وعددهم {إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ} [آل عمران: 126]؛ أي: لاستبشاركم بالمدد الإلهي، {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} [آل عمران: 126]، بذكر الملائكة وكثرة عددهم؛ لأنكم أرباب الوسائط المحتجبون عن الله برؤية الوسائط، وأما القلوب { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28] فالله تعالى رفع الوسائط بينه وبينهم وقال: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36]، ولهذا التحقيق قال الله تعالى: {وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ} [آل عمران: 126]؛ يعني: ليس النصر من الملائكة وغيرهم إلا من عند الله؛ لأنه هو {ٱلْعَزِيزِ} [آل عمران: 126] الذي يعز من يشاء بالنصر، ويذل من يشاء بالقهر، { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10] {ٱلْحَكِيمِ} [آل عمران: 126] الذي بحكمته يعز من يشاء على من يشاء كيف يشاء متى شاء على ما يشاء.
{لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ} [آل عمران: 127]؛ يعني: {وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ} [آل عمران: 126] ليقهر بعض الصفات النفسانية وهي منشأ الكفر بنصر الروح وصفاته، {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} [آل عمران: 127]؛ أي: يغلبهم ويظفر بهم كما قال تعالى: { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } [يوسف: 21]، {فَيَنقَلِبُواْ} [آل عمران: 127]؛ يعني: النفس وصفاتها، {خَآئِبِينَ} [آل عمران: 127]، فما كانا يرجون أن يظفروا بالروح وصفاته ويغلبوهم.