التفاسير

< >
عرض

يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٧١
وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٧٢
وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٧٣
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
٧٤
-آل عمران

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } [آل عمران: 71]، وهو ما يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل وأهوائكم وأرائكم الفاسدة، وهذا تنبيه من الله تعالى لعباده { هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 120]، من يهدي فلا مضل له و { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [الأعراف: 186]، ثم قال تعالى: { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [آل عمران: 71]؛ يعني: لا يمكن أن تكتموا الحق وأنتم تعلمون حقيقة؛ لأن ظهور الحق يقتضي زهوق الباطل، كما قال تعالى: { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [الإسراء: 81].
ثم أخبر عن فساد اعتقادهم بقوله تعالى: { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ } [آل عمران: 72]، الإشارة في الآيات: إن الحسد وإن كان مركوزاً في جبلة الإنسان ولكن له اختصاص بعالم يتعلم العلم؛ ليماري به السفهاء ويباهي به العلماء، ويجعله وسيلة لجمع المال ولحصول الجاه والقبول عند أرباب الدنيا، فيحسد على كل عالم أتاه الله تعالى حكمة فهو ينشرها ويفيد الخلق، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله تعالى مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله تعالى حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها" أي: لا حسد كحسد الحاسد على هذين الرجلين، وكان حسد أحبار اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل، حتى قالت طائفة من أهل الكتاب وهي أخبارهم لأتباعهم: { آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 72]، { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } [آل عمران: 72]، مكراً وخداعاً { وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [آل عمران: 72]؛ يعني: المومنين على النبي صلى الله عليه وسلم وعن دينه حسداً على ما أتاه الله من فضله، وقالوا هذا المعنيين:
أحدهما: تشكيك المؤمنين في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ودينهم.
والثاني: تثبيت اليهود على دينهم ومتابعة أخبارهم، يدل عليه قوله تعالى: { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } [آل عمران: 73]؛ أرادوا به: أنفسهم ولا يصدقوا غيرهم ولا تتبعوا لهم حسداً من عند أنفسهم، فقال تعالى زعماً لا فهماً ورداً على قولهم: قل يا محمد لمعاشر المؤمنين: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } [آل عمران: 73]، إن الهدى الحقيقي بالذي لا ضلال بعده هو الهدى من الله فضلاً ورحمة، كما هداكم به، وما { أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ } [آل عمران: 73]، من أهل الملل والأديان { مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ } [آل عمران: 73]، كما قال تعالى:
{ { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]، { أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } [آل عمران: 73]، وإن يحاجوكم فيما آتاكم الله من عنده { قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [آل عمران: 73]، يا محمد { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } [آل عمران: 73]، عطاءه { عَلِيمٌ } [آل عمران: 72]، بمستحق عطائه، وأهل رحمته { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } [آل عمران: 74]، مشيئة أزلية { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [آل عمران: 74]، معك يا محمد ومع أمتك بتعينك، كما قال: { { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء: 113].