التفاسير

< >
عرض

فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
٥٧
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ
٥٨
كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٩
فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ
٦٠
-الروم

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن المحرومين عن نيل هذه السعادة الذين ظلموا أنفسهم بوضع صرف استعدادها طلب الحق في موضع طلب الأغيار بقوله: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ } [الروم: 57] أن يقولوا: شغلتنا أموالنا وأهلونا.
{ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [الروم: 57] يسترجعون لتحصيل هذه السعادة لإبطال استعداد الطلب وبقوله: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } [الروم: 58] يشير أن أكثر القرآن أمثال ضربها الله في صورة القصص والأخبار والأحكام، وذكر الدنيا وما فيها وذكر الآخرة وما فيها وأمور أهل السعادة وأمور أهل الشقاوة، ولها معانٍ وأسرار وحقائق وأنوار وتشتمل على إرشاد أرباب الطلب وأصحاب السلوك في السير إلى الله وبيان معاملاتهم وشرح أحوالهم ومنازلهم، ومقاماتهم وإظهار منافعهم ومضارهم، وإثبات مقاصد عوامهم وخواصهم وتنبيه نائمهم، وتشويق سامعهم، وإنذار مغفلهم، وتبشير مرشدهم، وضرب مثل القرآن بالحبل الذي يكون أحد طرفيه في الحضرة وأحد طرفيه في يد العبد فقال:
{ { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } [آل عمران: 103] فمن اعتصم به حق الاعتصام يبلغهم إلى مرتبة يخاطبون بخطاب واعتصموا بالله.
{ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ } [الروم: 58] يا محمد؛ يعني: من لم يهتد بالقرآن أنه معجزة ظاهرة { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } [الروم: 58] بالقرآن وكل منه معجزة، { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } [الروم: 58] { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [الروم: 59] أسرار القرآن ولا يفهمون حقائق أمثال إلى قيام الساعة بإنكارهم على حقائق القرآن وأهلها، كما طبع على قلوب الذين كفروا بالقرآن بكفرهم، وبقوله: { فَٱصْبِرْ } [الروم: 60] يشير إلى الطالب الصادق؛ فاصبر على مقاساة شدائد فطام النفس عن مألوفاتها تزكية لها وعلى مراقبة القلب عن التدنس بصفاء النفس تصفية له، وعلى معاونة الروح على بذل الوجود لنيل الجود تخلية له.
{ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } [الروم: 60] فيما قال:
"ألا من طلبني وجدني" { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } [الروم: 60] يشير به إلى استخفاف أهل البطالة واستجهالهم أهل الحق وطالبيه وهم ليسوا أهل الإيمان وإن كانوا أهل الإيمان التقليدي يعني: لا يقطعون عليك الطريق بطريق الاستهزاء أو الإنكار كما هو عادة أهل الزمان يستخفون طالبي الحق وينظرون إليهم بنظر الحقارة ويعيرونهم وينكرون عليهم فيما يفعلون من ترك الدنيا وتجردهم عن الأهالي والأولاد والأقارب؛ وذلك لأنهم لا يوقنون بوجود طلب الحق تعالى وبالوجود على طالبي الحق أولاً التجريد لقوله تعالى: { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14] وبعد تجريد الظاهر يجب عليهم التفريد وهو قطع القلب عن سعادة الدارين، وبهذين القدمين وصل من وصل إلى مقام التوحيد، كما قال بعضهم: خطوتان وقد وصلت، والله أعلم وهو المستعان.