التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٦
ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ
٧
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ
٨
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٩
وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ
١٠
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١١
-السجدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } [السجدة: 6] أي: عالم الروح وخاصية صفاته { وَٱلشَّهَادَةِ } [السجدة: 6] أي: عالم النفس والبدن { ٱلْعَزِيزُ } [السجدة: 6] بأن لا يصل إليه أصحاب النفوس { ٱلرَّحِيمُ } [السجدة: 6] بأن يرحم على أرباب القلوب بجذبة العناية؛ ليوصلهم إلى مقام الوحدة { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [السجدة: 7] به يشير إلى أنه تعالى من نتائج إحسانه القديم لما أراد أن يخلق مرآة تجلي صفات جماله وجلاله خلق لحديد المرآة معدناً، وهو عالم الشهادة بجميع أجناسه وأنواعه، وأحسن خلقه بمعدنية ذلك الحديد، وأحسن خلق الحديد مستعداً للمرآتية وهو شخص آدم وصورته فقال: { وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } [السجدة: 7] فخمر طينة آدم بيده أربعين صباحاً فأودع كل صباح خواص نوع من أجناس عالم الشهادة بالتخمير في طينته وصفاته.
{ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ } [السجدة: 8] سلها من أجناس عالم الشهادة { مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [السجدة: 8] { ثُمَّ سَوَّاهُ } [السجدة: 9] شخص إنسان هو حديد المرآة، { وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } [السجدة: 9] فصار مرآة كاملة قابلة لإراءة صفات جماله وجلاله، ثم تجلى فيها كما قال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله خلق آدم فتجلى ربه فيه" { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ } بتجلي صفة السمعية { وَٱلأَبْصَارَ } بتجلي صفة البصر به { وَٱلأَفْئِدَةَ } التي هي مرآة العلوم بتجلي عالميته { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [السجدة: 9] يشير به إلى أن قليلاً منكم يعرف نفسه بالمأمورية والذلة ليعرف ربه بالآمرية والعزة فيها، فإنه أحسن خلق كل شيء من هذه الأشياء لما خلق له ولمعرفة ذاته وصفاته.
كما قال:
{ { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] أي: ليعرفون وقالوا خواص أنواع عالم الشهادة { أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } [السجدة: 10] أرض البشرية، ولم يبق لنا أثر ظاهر في عالم الشهادة { أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [السجدة: 10] ونعاد إلى كماليتنا بعد أن فنينا في قالب آدم عن طبائعنا قال الله تعالى: { بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } [السجدة: 10] من نتائج تلك الضلالة التي أخبروا عنها بقوله: { أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } [السجدة: 10] { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة: 11] وهو المحبة الإلهية فإنها تقبض الأرواح عن الصفات الإنسانية وتميتها عن محبوباتها بقطع تعلق الروح الإنساني قوله تعالى: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [السجدة: 11] بجذبة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28].