التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ
٢٧
وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
٢٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ
٢٩
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
٣٠
وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
٣١
-فاطر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن آثار رحمته من ماء السماء بقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا بِيضٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا } [فاطر: 27] يشير إلى أنه تعالى أنزل من سماء القدرة ماء الروح فأخرج به من أشجار الأشخاص ثمرات الأخلاق المختلفة ألوانها من أهل السعادة والشقاوة { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } [فاطر: 27] أي: من جبال النفس أخرج الطريق وهي صفاتها ببعض صفة اطمئنانها { وَحُمْرٌ } [فاطر: 27] صفة لوامتها { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [فاطر: 27] صفة أماريتها.
ثم قال: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } [فاطر: 28] جمع فيه صفات الروح وصفات النفس المشترك بين الإنسان والحيوان مع اختلاف أوصافهم، ثم قال كذلك أي: كاختلاف ما ذكرنا من الإنسان وأخلاقه { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28] بحسب اختلافهم في العلم فمنهم من هو عالم بأحكام الله من أوامره ونواهيه فيكون خوفه من فوت الجنان وعذاب النيران، ومنهم من هو عالم بصفات الله من صفات اللطف والقهر فيكون خوفه من الحرمان عن مقامات القرب والخذلان إلى دركات البعد، ومنهم من هو عالم بالله بنور الله فخوفه يكون هيبة من ذاته تعالى. كما قال:
{ { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28] فبقدر مراتب العلم تكون مراتب الخوف كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم بالله وأخشاكم منه" { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } [فاطر: 28] أن يعرفوه حق معرفته { غَفُورٌ } [فاطر: 28] يغفر عجز العباد وقصورهم في معرفته { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [فاطر: 29] أي: ائتمروا بما في كتاب الله من الصلاة وغيرها.
{ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً } [فاطر: 29] أي: من علم الباطن { وَعَلاَنِيَةً } [فاطر: 29] أي: من علم الظاهر { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [فاطر: 29] يعني خالصة لله مع الله بالله { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } [فاطر: 30] بحسب أعمالهم وخلوص نياتهم { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } [فاطر: 30] ما يستحقونه وإنما يستحق كرمه به { إِنَّهُ غَفُورٌ } [فاطر: 30] يغفر تقصيرهم في العبودية { شَكُورٌ } [فاطر: 30] يشكر سعيهم مع التقصير بفضل الربوبية.
وقوله: { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } يشير إلى هذه المعاني المختلفة التي ذكرها إنه { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [فاطر: 31] من الآيات التي تجئ بعده { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ } [فاطر: 31] من أهل السعادة وأهل الشقاوة { لَخَبِيرٌ } [فاطر: 31] لأنه خلقهم { بَصِيرٌ } [فاطر: 31] بما يصدر منهم من الأخلاق والأعمال.