التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٣
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
١٣٤
إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ
١٣٥
ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ
١٣٦
وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ
١٣٧
وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٣٨
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٩
إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
١٤٠
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ
١٤١
فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
١٤٢
فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ
١٤٣
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٤٤
فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ
١٤٥
وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ
١٤٦
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ
١٤٧
فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ
١٤٨
-الصافات

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن نجاة لوط ودرجاته بقوله: { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 133]، يشير إلى لوط الروح أنه مهبط أنوار الحق ومحط أسراره؛ { إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } [الصافات: 134]، من القلب والسر وصفاتهما { أَجْمَعِينَ } [الصافات: 134] من سطوات قهرنا، { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } [الصافات: 135]، وهي عجوز النفس الأمَّارة؛ فإنها بمثابة الزوجة للوط الروح، { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } [الصافات: 136] من النفس وصفاتها، { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ } [الصافات: 137] أيتها الصفات الإنسانية عليهم مصبحين في صباح يوم الدين، يشاهدون آثار سطوات قهرنا باستيلاء صفات النفس وغلبات دواعي الشهوات، { وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 138] فتعتبرون وتؤمنون بوحدانية الحق تعالى، وترجعون إلى أبواب فضله وكرمه ورحمته.
{ وَإِنَّ يُونُسَ } أي: يؤنس القلب { لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 139]، وهو أيضاً مهبط أنوار الحق تعالى؛ { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [الصافات: 140]؛ أي: فلك الهوى المشحون من شهوات النفس، { فَسَاهَمَ } مع أهل الهوى؛ { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } [الصافات: 141]؛ أي: من المغلوبين المفتونين بشهوات النفس فألقى في بحر الدنيا، { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } [الصافات: 142] حوت النفس، { وَهُوَ مُلِيمٌ } [الصافات: 142] بالتفاته إلى بحر الدنيا وركوبه فلك الهوى إذ أبق من عبودية المولى، { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [الصافات: 143] المطيعين الذاكرين لله، الراجعين إليه بالتوبة والاستغفار { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ } [الصافات: 144]؛ يعني: القلب في بطن حوت النفس { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات: 144] والإشارة فيه أن خلاص يونس القلب إذا التقمه حوت النفس لا يكون إلا بملازمة ذكر الله، { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } [الصافات: 145]، يشير بهذا إلى أن القلب إن تخلص من بحر النفس وبحر الدنيا يكون مستقيماً؛ بانحراف مزاجه القلبي بمجاورة صحبة النفس وإسراف طبعها، بقوله: { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } [الصافات: 146]، يشير إلى إنبات شجرة العناية عليه؛ ليستظل بظلها إلى أن يزول عنه ضعف البشرية، ويتقي بالسلامة القلبية، ويستعد لتواتر الإلهامات الربانية، ويستحق بالخلافة للسلطنة الروحانية، فينصب لرعاية الرعية.
فذلك قوله: { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] به يشير إلى أن كل قلب تخلص من سجن النفس يصير سلطاناً على ولاية الإنسانية، يحكم على مائة ألف صف من صفات البشرية أو يزيدون، { فَآمَنُواْ } هذه الصفات كلها بما يأتيهم من الحق، واقتدوا به وتخلقوا بأخلاقه؛ { فَمَتَّعْنَاهُمْ } يعني: بالقلب وأخلاقه { إِلَىٰ حِينٍ } [الصافات: 148] يستعدون للتخلق بأخلاق الله تعالى.