{بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 37]؛ يعني: محمداً {إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ} [الصافات: 38]؛ يعني: كفار مكة، {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 39] وما كنتم تعملون إلا ما قد أمرتم بعمله بأمر {كُن}.
{ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 40] في العبودية والمخلصين في حكم الأزل بالعصيان، {أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 41] من أمر {كُن} بالسعادة.
ثم أشار من الرزق المعلوم إلى الفاكهة فقال: {فَوَاكِهُ} [الصافات: 42]؛ أي: فهم ألاَّ يتفكهوا مما يشاءون {وَهُم مُّكْرَمُونَ} [الصافات: 42] من الأزل إلى الأبد بأنهم محمولو العناية، كما قال: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ } } [الإسراء: 70]، {فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ} [الصافات: 43]، في جوار الحق تعالى: {عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الصافات: 44]، في المدارج والمراتب يستأنس بعضهم برؤية بعض وهذه صفة الأبرار فإن من صفة الأحرار ألا يستأنس إلا بمولاه بقوله: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات: 45-47] يشير إلى أن أهل السير من أرباب الوسائط الذين وقفوا على أبواب الشهوات الإنسانية، ومشربهم التلذذ بالشراب من الكأس والشراب من معين، وقوم شربوا ومشربهم الحب كما قال قائلهم:
شربت الحب كأساً بعد كأس فما نفذ الشراب وما رويت
وقال آخر:
قوم شربوا ومشربهم المحبوب شراب ألحاظ يسكر اللبَّا
وإلى مثل هذا المعنى يشير بقوله: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [الصافات: 48-49] لا ينظرون إلى غير الولي، ثم الولي قد ينظر إليهن، وفيهم من لا ينظر إليهن:
جُنِنّا على ليلى وجُنَّت بغيرنا وأخرى بنا مجنونةٌ لا نُريدها
ثم أخبر عن إقبال أرباب الأحوال بقوله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} [الصافات: 50] يشير إلى أن أهل جهنم هم الذين كانوا ممن لم يقبلوا على الله بالكلية وإن كانوا مؤمنين موحدين وإلا كانوا في مقعد صدق مع المقربين.