التفاسير

< >
عرض

أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ
٩
أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ
١٠
جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ
١١
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ
١٢
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ
١٣
إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
١٤
وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ
١٥
وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ
١٦
ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
١٧

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن جهالة الكفار وضلالتهم بقوله تعالى: { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } [ص: 9]، يشير إلى أنه هو العزيز الذي له خزائن الرحمة، ومن دونه فهو ذليل له لاحتياجه إليه، وهو الوهاب الذي يهب لمن يشاء ما يشاء، وفيه آل هؤلاء الكفار الذين عارضوا ونازعوا وكابروا واجتمعوا عندهم شيء من هذه الأشياء، فيفعلوا ما أرادوا، أو يعطوا ما شاءوا، ويرتقوا إلى السماء فيأتوا بالوحي على من أرادوا، ويهلكوا من أرادوا.
{ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } [ص: 10]؛ بل الله يصطفي من يشاء، ويؤتي من يشاء لعزته، وهم { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } [ص: 11]، كلهم عجزة لا يقدرون على ذلك مهزومون، شبههم في بقائهم عن مرادهم بالمهزومين؛ أي: إن هؤلاء الكفار ليس معهم حجة سؤالهم قوة، ولا لأصنامهم أيضاً من النفع والضر مكنة، ولا في الدفع والرد عن أنفسهم قوة، وبقوله: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } [ص: 12-13]، يشير إلى تسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتصفيته عن اهتمام كفار مكة؛ لئلا يفيق قلبه عن تكذيبهم إياه، ولا يحزن عليهم لكفرهم فإن هؤلاء الأحزاب.
{ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } [ص: 14] كما أن قومك كذبوك، { فَحَقَّ عِقَابِ } [ص: 14]؛ أي: فوجب عليهم عذابي؛ ليكونوا مظهر قهري، ومطلب نار غضبي، { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ } [ص: 15] كلهم، { إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } [ص: 15] أثراً من أثار قهرنا، { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } [ص: 15] راحة وخلاص، وبقوله: { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ص: 16]، يشير إلى أن النفوس الخبيثة السفلية تميل بطبعها إلى السفليات؛ وهي في الدنيا لذائذ الشهوات الحيوانية، وفي الآخرة دركات أسفل سافلين جهنم، كما أن القلوب العلوية اللطيفة تميل بطبعها إلى العلويات؛ وهي في الدنيا حلاوة الطاعات ولذاذة القربات، وفي الآخرة درجات أعلى علِّيِّين الجنان، وكما أن الأرواح القدسية تشتاق بخصوصيتها إلى شواهد الحق، ومشاهد أنوار الجمال والجلال، ولكل من هؤلاء الأصناف جذبة بالخاصية من جاذبة بلا اختيار: كجذبة المغناطيس للحديد، وميلان طبع الحديد إلى المغناطيس من غير اختيار بل باضطرار، { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ص: 17] فيما يلتمسون من تعجيل العذاب، فعن قريب سينزل الله نصرك يا محمد ويعطيهم سؤلهم.
ثم أخبر عن توبة داود وأوابته بقوله تعالى: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 17]، يشير إلى كماليته في العبودية بأنه لم يكن عبد الدنيا ولا عبد الآخرة، وإنما كان عبدنا خالصاً مخلصاً، وله قوة في العبودية ظاهراً وباطناً:
فأما قوته في الظاهر: فبأنه قتل جالوت وجنوده بثلاثة أحجار رمياً إليهم.
وأما قوته في الباطن: إنه كان أوّاباً، وقد سرة أوابيته في الجبال والطير فكانت تأوّب معه.