التفاسير

< >
عرض

ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ
١٢
هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ
١٣
فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ
١٤
رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ
١٥
يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ
١٦
-غافر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم قال: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } [غافر: 12]؛ أي: ذلك العذاب بأنكم إذا دعيتم بوحدانية الله بالخروج عن الإثنينية كفرتم بكفران هذه النعمة على أنفسكم، وأنكرتم قبولها، { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ } [غافر: 12]؛ يعني: ببقاء الوجود والدعوة إلى غير الله من نعيم الدار، { تُؤْمِنُواْ } [غافر: 12] وتقبلوا، { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [غافر: 12]، في ذلك لا لكم، فلمن يشاء يبقيه في مقام الإثنينية، ولمن شاء يخرجه إلى الوحدانية كما قال تعالى: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 57] إلى نور الوحدانية.
وبقوله: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [غافر: 13]، يشير إلى أنه ليس للإنسان أن يرى ببصيرته حقائق آيات الحق تعالى إلا بإرادة الحق تعالى إياه كما قال تعالى:
{ { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ } [فصلت: 53]، { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [غافر: 13]؛ أي: سماء الأرواح، { رِزْقاً } [غافر: 13]؛ أي: الواردات والشواهد التي هي رزق القلوب وبها تتربى، { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } [غافر: 13]؛ أي: وما يتحقق هذه الحقائق إلا لمن يرجع بكلية إلى الله تعالى فيشاهد في كل مقام ما يناسب ذلك المقام.
وبقوله: { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [غافر: 14]، يشير إلى أن المدعو من الله ينبغي أن يكون على كراهة كافر النفس فإنها تميل إلى مشاربها.
ثم أخبر عن الدرجات والكرامات بقوله تعالى: { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } [غافر: 15]، يشير إلى رفع درجات الطوائف المختلفة، رافع درجات العصاة بالنجاة، والمطيعين بالمثوبات، والأصفياء والأولياء بالكرامات، والعارفين بالارتقاء عن الكونين، والمحبين بالفناء في المجيء وبقاء المحبوبية، { ذُو ٱلْعَرْشِ } [غافر: 15]؛ أي: ذو الملك العظيم؛ لأنه تعالى خلقه أرفع الموجودات وأعظمها جنة إظهاراً للعظمة، وأيضاً بجميع الصفات ذو عرش القلوب فإنها العرش الحقيقي؛ لأنه تعالى استوى على العرش بصفة الرحمانية ولا شعور للعرش به، واستوى على قلوب أوليائه بجميع الصفات وهم العلماء بالله مستغرقين في بحر معرفته، { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [غافر: 15] روح الدراية للمؤمنين، وروح الولاية للعارفين، وروح النبوة للنبيين، { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [غافر: 15]؛ أي: لينذر الروح يوم تلتقي مع الله بلا هَوْدٍ، وهو معنى قوله: { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } [غافر: 16]؛ أي: خارجون من وجودهم بالفناء، { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [غافر: 16] من وجوده هم عند إفنائه حتى لا يبقى له غير الله، فيقول الله تبارك وتعالى: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16]؛ يعني: ملك الوجود، وهذا المقام الذي أشار إليه الجنيد بقوله: ما في الوجود سوى الله فإذا لم يكن لغير الله ملك الوجود يكون هو الداعي والمجيب، فيقول: { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]؛ لأنه تعالى تجلى بصفات القهارية فما بقي الداعي والمجيب غير الله.