التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]؛ أي: أرض البشرية في يومي الهوى والطبيعة، {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} [فصلت: 9] من الهوى والطبيعة إذا تحركت أرض البشرية، {ذَلِكَ} [فصلت: 9] من ابتلاء {رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ} [فصلت: 9] الذي خلق عالمي العقل والهوى، {وَجَعَلَ فِيهَا} [فصلت: 10] في أرض البشرية {رَوَاسِيَ} [فصلت: 10] من العقل؛ لتسكين أرض البشرية لا يستقر إلا برواسخ العقل {مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت: 10] بالحواس الخمس، {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10] بستة من قوى البشرية {فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10]؛ أي: مع يومي خلق الأرض؛ يعني: في يومي الروح الحيواني والروح الطبيعي {سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} [فصلت: 10] لهذه القضية، {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ} [فصلت: 11] سماء القلب {وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] نار الروحانية، وبقوله: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} لتجيبا {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: 11] وإنما ذكرهما بلفظ التأنيث في البداية، كأنهما كانتا ميتة وهي مؤنثتان، وإنما ذكرهما في النهاية بلفظ التذكير؛ لأنه أحياهما وأعقلهما وهما في العدم، فأجابا بقولهما: أتينا طائعين جواب العقلاء، وفي قوله: {فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ} [فصلت: 12] إشارة إلى أن لسماء القلب سبعة أطوار، كما قال تعالى: { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } [نوح: 14] فالطور الأول من القلب يسمى: الكركر وهو محل الوسوسة.
والثاني: الشغاف وهو مظهر الهواجس.
والثالث: الفؤاد وهو معدن الرؤية كما قال تعالى: { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11]، والرابع: القلب وهو منبع الحكمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ظهرت ينابيع الحكمة في قلبه على لسانه" ، والخامس: السويداء وهو مرآة الغيب.
والسادس: الشغاف وهو مثوى المحبة كما قال تعالى: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } [يوسف: 30]، والسابع: محبة القلب وهي مودة التجلي وموضوع الكشوف، ومركز الأسرار ومهبط الأنوار، {فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12]؛ أي: يومي الروح الإنساني، والإلهام الرباني {وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12]؛ أي: ما هو أهله ومحله، {وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ} [فصلت: 12] وهي أنوار الأذكار والطاعات والعبادات {وَحِفْظاً} [فصلت: 12] من الشياطين، {ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ} [فصلت: 12] الذي لإظهار عزَّته وعظمة قدر هذه الكمالات ودبَّرها في نطفة قدرة {ٱلْعَلِيمِ} [فصلت: 12] الذي أحاط علمه بمصالح الدارين وأهلها، {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} [فصلت: 13] أرباب النفوس المتمردة عن الله، وطلبه وطلب رضاه {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]؛ أي: أخبر المكذبين لك أن لكم سلفاً سلكتم طريقهم في العناد والجحود، فإن أبيتم إلا الإصرار ألحقناكم بهم بالهلاك فتكونوا كأمثالهم {إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [فصلت: 14].