التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
-فصلت

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } [فصلت: 21] بهذا يشير إلى أن الجماد في الآخرة يكون حيواناً ناطقاً، كما قال تعالى: { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64].
وبقوله: { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [فصلت: 21] يشير إلى: إن الأرواح والأجسام متساوية، وفي قدرة الله إن شاء جعل الأرواح بوصف الأجسام
{ { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171]، وإن شاء جعل الأجسام بوصف الأرواح تنطق وتسمع، وتبصر وتعقل؛ ولهذا قال: { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [فصلت: 21]؛ يعني: خلق الأرواح بوصفها حين خلقها { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [فصلت: 21] كما يشاء بوصف الأرواح أم بوصف الأجسام، { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } [فصلت: 22]؛ لأنه لم يكن في حسابكم ما استقبلتم { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } [فصلت: 22]؛ لأنها كانت أجساماً صامتة غير ناطقة، وبقوله: { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22] يشير إلى معتقد الفلاسفة الزنادقة أنهم يعتقدون أن الله لا يكون عالم الجزيئات، فردَّ عليهم بقوله: { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } [فصلت: 23] أهلككم { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } [فصلت: 23] الذين خسروا على بذراً لأرواحهم في أرض أجسادهم بأن لم يصل إليه ماء الإيمان والعمل الصالح، ففسد حتى صار بوصف الأجساد { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171]، كما قال: { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [العصر: 1-3] { فَإِن يَصْبِرُواْ } [فصلت: 24] على ما هم فيه من الخسران { فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } [فصلت: 24] نار الطرد والقطيعة والبعد، { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } [فصلت: 24] فعلى ما قال: { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } [فصلت: 24].